جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِٱلشَّهَٰدَةِ عَلَىٰ وَجۡهِهَآ أَوۡ يَخَافُوٓاْ أَن تُرَدَّ أَيۡمَٰنُۢ بَعۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡمَعُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (108)

{ ذلك } أي : الحكم الذي تقدم ، { أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها } أي : أقرب أن يأتي الشهداء بشهادتهم على نحو تلك الحادثة ، فلا يغيروها ، { أو يخافون أن تُردّ أيمان } : على المدعين ، وهم أولياء الميت ، { بعد أيمانهم } : إذا ظهر للأولياء أمارات كذب الشاهدين ، فيفتضحوا أي : أقرب إلى أحد الأمرين أداء الشهادة على الصدق أو الامتناع عن أدائها بالكذب ، { واتقوا الله واسمعوا } : بسمع إجابة ما أمرناكم ، { والله لا يهدي القوم الفاسقين{[1341]} } : أي إن لم تسمعوا كنتم فاسقين والله لا يهديهم ، ومحصل الآية أن المحتضر إذا أراد الوصية ينبغي أن يشهد على وصيته اثنين من المسلمين أو من قرابته ، فإن لم يجدهما بأن كان في سفر فآخرين من غيرهم ، ثم إن وقع ارتياب فيهما أقسما على صدق ما يقولان بالتغليظ في الوقت أيضا ، فإن اطلع بأمارة ، ومظنة على كذبهما أقسم آخران من أولياء الميت ، هكذا قرر هذا الحكم على مقتضى هذه الآيات غير واحد من أئمة السلف والتابعين ، وهو مذهب الإمام أحمد ، والقاضي شريح في خاصة مثل هذه الواقعة ، وقال بعضهم حكم الآية منسوخ إن أريد من الغير الكافرون فإن شهادة الكافر كانت بدأ الإسلام ثم نسخت ، وقال بعضهم المراد من الشهادة الوصاية وكون الوصي اثنين للتأكيد فإنهم قالوا : لا نعلم حكما يحلف فيه الشاهد وهو خلاف الظاهر المتبادر ، وسبب نزول الآية أن رجلا من المسلمين خرج مسافرا معه رجلان من أهل الكتاب ، ومات بأرض ليس بها مسلم فلما قدموا بتركته فقدوا جاما من فضة مموها بالذهب ، فترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت فأحلفهما بعد صلاة العصر فحلفا على أنهما اطلعا على الإناء ، ثم وجد الإناء عند من اشترى منهما ، فقام رجلان من أوليائه فحلفا أن الإناء لنا وأخذا .


[1341]:لما أخبر بشاهدي الوصية بعد ما بين أمر الضالين ذكر بهذا اليوم المخوف يخوف من الشهادة من لم يتق الله فقال: (يوم يجمع).