فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِٱلشَّهَٰدَةِ عَلَىٰ وَجۡهِهَآ أَوۡ يَخَافُوٓاْ أَن تُرَدَّ أَيۡمَٰنُۢ بَعۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡمَعُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (108)

{ ذلك } أي البيان الذي قدمه الله سبحانه في هذه القصة وعرفنا كيف يصنع من أراد الوصية في السفر ولم يكن عنده أحد من أهله وعشيرته وعنده كفار { أدنى } أي أقرب إلى { أن يأتوا بالشهادة } أي يؤدي الشهود المتحملون للشهادة على الوصية بالشهادة { على وجهها } فلا يحرفوا ولا يبدلوا ولا يخونوا فيها ، وهذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر المنفعة والفائدة في هذا الحكم الذي شرعه الله في هذا الموضع في كتابه ، فالضمير في يأتوا عائد إلى شهود الوصية من الكفار ، وقيل أنه إلى المسلمين المخاطبين بهذا الحكم ، والمراد تحذيرهم من الخيانة وأمرهم بأن يشهدوا بالحق .

{ أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم } أي ترد على الورثة المدعين فيحلفون على خلاف ما يشهد به شهود الوصية فتفتضح حينئذ شهود الوصية وهو معطوف على قوله أن يأتوا فيكون الفائدة في شرع الله سبحانه لهذا الحكم هي أحد الأمرين إما احتراز شهود الوصية عن الكذب والخيانة فيأتون بالشهادة على وجهها أو يخافون إذا ردت الأيمان على قرابة الميت فحلفوا بما يتضمن كذبهم أو خيانتهم فيكون ذلك سببا لتأدية شهادة شهود الوصية على وجهها من غير كذب ولا خيانة .

وقال أبو السعود : معطوف على مقدر ينبئ عنه المقام كأنه قيل ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ويخافوا عذاب الآخرة بسبب اليمين الكاذبة أو يخافوا الافتضاح برد اليمين ، فأي الخوفين وقع حصل المقصود الذي هو الإتيان بالشهادة على وجهها { واتقوا الله } في مخالفة أحكامه وأن تحلفوا أيمانا كاذبة أو تخونوا أمانة { واسمعوا } سمع قبول وإجابة أو المواعظ والزواجر { والله لا يهدي القوم الفاسقين } الخارجين عن طاعته بأي ذنب ومنه الكذب في اليمين أو في الشهادة ، وهذا تهديد وتخويف لمن خالف حكم الله وخان أمانته أو حلف يمينا كاذبة .

قال الخازن : وهذه الآية الكريمة من أصعب ما في القرآن من الآيات نظما وإعرابا وحكما انتهى وقد سهلنا هذا الصعب بتيسيره سبحانه وتعالى .

وحاصل ما تضمنه هذا المقام من الكتاب العزيز أن من حضرته علامات الموت أشهد على وصيته عدلين من عدول المسلمين ، فإن لم يجد شهودا مسلمين وكان في سفر ووجد كفارا جاز له أن يشهد رجلين منهم على وصيته ، فإن ارتاب بهما ورثة الوصي حلفا بالله على أنهما شهدا بالحق وما كتما من الشهادة شيئا ولا خانا مما ترك الميت شيئا ، فإن تبين بعد ذلك خلاف ما أقسما عليه في خلل في الشهادة أو ظهور شيء من تركة الميت وزعما أنه قد صار في ملكهما بوجه من الوجوه حلف رجلان من الورثة وعمل بذلك .