اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَنَّهُۥ خَلَقَ ٱلزَّوۡجَيۡنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰ} (45)

قوله : { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى } أي من كل حيوان . ولم يرد آدمَ وحوّاء ؛ لأنهما ما خُلقا من نطفة . وهذا أيضاً من جملة المتضادات الواردة على النطفة ، فبعضها يخلق ذكراً وبعضها يخلق أنثى ، ولا يصل إليه فهم الطَّبِيعِيّ ، والذي يقولونه من البرد والرطوبة في الأنثى فرُبَّ امرأةٍ أحر وأَيْبَسُ مزاجاً من الرّجُل .

فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى : { وَأَنَّهُ خَلَقَ } ولم يقل : «وأَنَّهُ هُوَ خَلَقَ » كما قال : { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى } ؟

فالجواب : أن الضحك والبكاء ربما يتوهم أنه بفعل الإنسان ، والإماتة والإحياء وإن كان ذلك التوهم أبعد لكن ربما يقول به جَاهلٌ كما قال من حَاجَّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام { قَالَ أَنَاْ أُحْيِي وَأُمِيتُ } [ البقرة : 258 ] فأكد ذلك بالفصل . وأما خلق الذكر والأنثى من النطفة فلا يتوهم أحدٌ أنه بفعل واحدٍ من الناس ، فلم يؤكد بالفصل ، ألا ترى إلى قوله : { وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى } حيث كان الإغناء عندهم غيرَ مسند إلى الله ، وكان في معتقدهم أن ذلك بفعلهم كما قال قارون : { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عندي } [ القصص : 78 ] وكذلك قال : { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشّعرى } فأكد في مواضع استبعادهم إلى الإسناد ولم يؤكد في غيره .

واختلفوا في الذكر والأنثى هل هما اسمان وهما صفةٌ ؟ أو اسمان ليسا بصفة ؟ فالمشهور عند أهل اللغة أنهما اسمان ليسا بصفةٍ .

قال ابن الخطيب : والظاهر أنهما من الأسماء التي هي صفات فالذكر كالحَسَنِ ، والأنثى كالحُبْلَى والكُبْرَى{[53745]} .


[53745]:وانظر في هذا كله تفسير العلامة الإمام الفخر الرازي 15/20 و21.