قوله : { يَوْمَ يَقُولُ المنافقون والمنافقات } .
العامل في «يوم » «ذلك الفوز العظيم » .
وقيل : «هو بدل من اليوم الأول » .
وقال ابن الخطيب{[55300]} منصوب ب «اذْكر » مقدّرا .
واعلم أنه لما شرح حال المؤمنين في موقف القيامة أتبع ذلك بشرح حال المنافقين ، فقال : يوم يقول .
قوله : { لِلَّذِينَ آمَنُواْ } . «اللام » للتبليغ .
و{ انظرونا نقتبس من نوركم } قراءة العامة : «انْظُرونَا أمر من النَّظر » .
وحمزة : «أنْظِرُونا »{[55301]} بقطع الهمزة ، وكسر الظَّاء من الإنظار بمعنى الانتظار .
وبها قرأ الأعمش ، ويحيى بن وثَّاب{[55302]} ، أي : انتظرونا لنلحق بكم ، فنستضيء بنوركم .
والقراءة الأولى يجوز أن تكون بمعنى هذه ، إذ يقال{[55303]} : نظره بمعنى انتظره ، وذلك أنَّه يسرع بالخواص على نُجُب إلى الجنة ، فيقول المنافقون : انتظرونا لأنَّا مُشَاة لا نستطيع لحوقكم ، ويجوز أن يكون من النظر وهو الإبصار ؛ لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم ، فيضيء لهم المكان ، وهذا أليق بقوله : { نقتبس من نوركم } . قال معناه الزمخشري{[55304]} .
إلاَّ أن أبا حيان قال{[55305]} : إن النَّظر بمعنى الإبصار لا يتعدى بنفسه إلا في الشِّعر ، إنما يتعدى ب «إلى » .
قوله : { نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } أي : نستضيء من نوركم .
و«القَبَس » : الشعلة من النار أو السِّراج .
قال ابن عبَّاس وأبو أمامة : يغشى الناس يوم القيامة ظلمة{[55306]} .
قال الماوردي{[55307]} : أظنّها بعد فصل القضاء ، ثم يعطون نوراً يمشون فيه .
قال المفسّرون{[55308]} : يعطي الله كل أحد يوم القيامة نوراً على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ، ويعطي المنافقين [ نوراً خديعة لهم ، بدليل قوله تعالى : { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ النساء : 142 ] .
وقيل : إنما يعطون النور ؛ لأن جميعهم أهل دعوة ]{[55309]} دون الكافر ، ثم يسلب المنافق نوره لنفاقه . قاله ابن عباس .
وقال أبو أمامة : يعطى المؤمن النور ، ويترك الكافر والمنافق بلا نور .
وقال الكلبي : بل يستضيء المنافق بنور المؤمنين ، [ فبينما هم يمشون إذ بعث الله ريحاً وظلمة فأطفأ بذلك نور المنافقين ، فذلك قول المؤمنين ]{[55310]} : { رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } [ التحريم : 8 ] خشية أن يسلبوه كما سلبه المنافقون ، فإذا بقي المنافقون في الظلمة ، فإنهم لا يبصرون مواضع أقدامهم ، قالوا للمؤمنين : { انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } . قيل : ارجعُوا «وراءكم » ، أي : إلى المواضع التي أخذنا منها النور ، فاطلبوا هناك نوراً لأنفسكم ، فإنكم لا تقتبسون من نورنا ، فلما رجعوا وانعزلوا في طلبِ النور «ضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ »{[55311]} .
وقيل : معناه هلاَّ طلبتم النور من الدنيا بأن تؤمنوا{[55312]} ؟ .
قوله : «وراءكم » فيه وجهان{[55313]} :
أظهرهما : أنه منصوب ب «ارجعوا » على معنى ارجعوا إلى الموقف إلى حيث أعطينا هذا النور ، فالتمسوا هناك ممن يقتبس ، أو ارجعوا إلى الدُّنيا فالتمسوا نوراً بتحصيل سببه ، وهو الإيمان ، أو يكون معناه : فارجعوا خائبين وتنحّوا عنَّا فالتمسوا نوراً آخر ، فلا سبيل لكم إلى هذا النور .
والثاني : أن «وَرَاءكُم » اسم للفعل فيه ضمير فاعل ، أي : ارجعوا «رجوعاً » قاله أبو البقاء{[55314]} .
ومنع أن يكون ظرفاً ل «ارجعوا » .
قال : لقلّة فائدته ؛ لأن الرُّجوع لا يكون إلاَّ إلى وراء .
قال شهاب الدين{[55315]} : «وهذا فاسد ؛ لأن الفائدة جليلة كما تقدم شرحها » .
قوله : { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } .
العامة على بنائه للمفعول ، والقائم مقام الفاعل يجوز أن يكون «بِسُورٍ » وهو الظاهر ، وأن يكون الظرف .
وقال مكي{[55316]} : «الباء » مزيدة ، أي : ضرب سور . ثم قال : «والباء متعلقة بالمصدر أي : ضرباً بسور » .
وهذا متناقض{[55317]} ، إلاَّ أن يكون قد غلط عليه من النساخ ، والأصل : والباء متعلقة بالمصدر ، والقائم مقام الفاعل الظرف ، وعلى الجملة هو ضعيف ، والسور : البناء المحيط وتقدم اشتقاقه في أول البقرة{[55318]} .
قوله : «لَهُ بابٌ » . مبتدأ وخبر في موضع جرّ صفة ل «سُور » .
وقوله : { بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة } هذه الجملة يجوز أن تكون في موضع جر صفة ثانية ل «سور » ، ويجوز أن تكون في موضع رفع صفة ل «باب » ، وهو أولى لقربه ، والضمير إنما يعود إلى الأقرب إلا بقرينة{[55319]} .
وقرأ زيد بن علي{[55320]} ، وعمرو بن عبيد : «فضرب » مبنيًّا للفاعل ، وهو الله أو الملك .
«السور » : حاجز بين الجنة والنار .
قال القرطبي{[55321]} : «روي أن ذلك السُّور ب «بيت المقدس » عند موضع يعرف ب «وادي جهنم » فيه الرَّحْمَة يعني : ما يَلِي منه المؤمنين ، وظاهره من قبله العذاب يعني : ما يلي المنافقين » .
قال كعب الأحبار رضي الله عنه : هو الباب الذي ب «بيت المقدس » المعروف ب «باب الرحمة » .
وقال عبد الله بن عمرو : إنه سور ب «بيت المقدس » الشرقي ، باطنه فيه المسجد ، وظاهره من قبله العذاب ، يعني : جهنم ونحوه عن ابن عباس{[55322]} .
وقال زياد بن أبي سوادة : قام عبادة بن الصَّامت على سُور ب «بيت المقدس » الشرقي فبكى ، وقال : من هاهنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم{[55323]} .
وقال قتادة : هو حائط بين الجنَّة والنار ، { باطنه فيه الرحمة } يعني : الجنة ، { وظاهره من قبله العذاب } يعني : جهنم{[55324]} .
وقال مجاهد : إنَّه حجاب . كما في «الأعراف » وقد مضى القول فيه .
وقد قيل : إن الرحمة التي في باطنه نور المؤمنين ، والعذاب الذي هو في ظاهره ظلمة المنافقين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.