اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

قوله : { يُنَادُونَهُمْ } يجوز أن يكون حالاً من الضمير في «بينهم » . قاله أبو البقاء{[55325]} .

وهو ضعيف{[55326]} لمجيء الحال من المضاف إليه في غير المواضع المستثناة .

وأن تكون مستأنفة ، وهو الظاهر .

وقوله : { أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } يجوز أن يكون تفسيراً للنداء ، وأن يكون منصوباً بقول مقدّر .

فصل في معنى الآية{[55327]}

والمعنى : ينادي المنافقون المؤمنين { ألم نَكُنْ معكم } يعني : في الدنيا نصلّي مثل ما تصلّون ، ونغزو مثل ما تَغْزُون ، ونفعل مثل ما تفعلون ؟ .

«قالوا : بَلَى » ، أي : يقول المؤمنون : بلى ، قد كُنتم معنا في الظَّاهر ، { ولكنكم فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } أي : استعملتموها في الفتنة .

وقال مجاهد : أهلَكْتمُوهَا بالنِّفاق{[55328]} .

وقيل : بالمعاصي . قاله أبو سنان . وقال أبو نمير الهمداني : بالشهوات واللَّذَّات .

وقوله : «وتربّصتم » أي : بالنبي صلى الله عليه وسلم الموت ، وبالمؤمنين الدَّوائر .

وقيل : تربَّصتم بالتوبة .

«وارْتَبْتُمْ » أي : شككتم في التوحيد ، أو النبوة ، أو البعث .

«وغرَّتكم الأماني » أي : الأباطيل .

وقيل : طول الأمل ، وهو ما كانوا يتمنّونه من ضعف المؤمنين ، ونزول الدَّوائر بهم .

وقال قتادة : الأماني هنا خدعُ الشيطان{[55329]} .

وقيل : الدنيا ، قاله عبد الله بن عباس{[55330]} .

وقال أبو سنان : هو قولهم : «سيغفر لنا » .

وقال بلال بن سَعْدٍ : ذكرك حسناتك ، [ ونسيانك ]{[55331]} سيئاتك غِرَّةً { حتَّى جاء أمر الله } يعني : الموت .

وقيل : نُصْرة نبيه صلى الله عليه وسلم{[55332]} .

وقال قتادة : إلقاؤهم في النَّار{[55333]} .

قوله : { وَغَرَّكُم بالله الغرور } .

قرأ العامة : «الغَرُور » بفتح الغين ، وهو صفة على «فعول » ، والمراد به : الشَّيْطان ، أي : خدعكم بالله الشيطان .

وقرأ أبو حيوة ، ومحمد{[55334]} بن السميفع ، وسماك بن حَرْب : «الغُرُور » بالضم ، وهو مصدر ، والمراد به الأباطيل .

عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطَّ لنا خُطُوطاً ، وخط منها خطًّا ناحية ، فقال : «أتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ هَذَا مِثْلُ ابْنِ آدَمَ ومِثْلُ التمنِّي ، وتِلْكَ الخُطُوطُ الآمَالُ ، بَيْنَمَا يتمنَّى إذْ جَاءَهُ المَوْتُ »{[55335]} .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : خطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا مربَّعاً وخط في وسطه خطًّا ، وجعله خارجاً منه ، وخط عن يمينه ويساره خطوطاً صغاراً ، فقال : «هَذَا ابْنُ آدَمَ وهَذَا أجَلُهُ يُحيطُ بِهِ ، وهذا أمَلُهُ قَدْ جَاوَزَ أجَلَهُ ، وهذه الخُطُوطُ الصِّغَارُ الأعْرَاضُ فإنْ أخْطَأهُ هذا نَهَشَهُ هذا »{[55336]} .


[55325]:ينظر: الإملاء 2/1208.
[55326]:الدر المصون 6/277.
[55327]:ينظر: القرطبي 17/160.
[55328]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (17/160) عن مجاهد.
[55329]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/680) عن قتادة ومجاهد وابن زيد. وذكره القرطبي (17/160) عن قتادة.
[55330]:ينظر: تفسير القرطبي (17/160).
[55331]:سقط من أ.
[55332]:ينظر: المصدر السابق.
[55333]:ينظر: المصدر السابق.
[55334]:ينظر: المحرر الوجيز 5/263، والبحر المحيط 8/221، والدر المصون 6/277.
[55335]:أخرجه البخاري 11/239 كتاب الرقاق، باب: في "الأمل" وطوله حديث رقم (6418) من حديث أنس.
[55336]:أخرجه البخاري 11/239 كتاب الرقاق، في الأمل: في الأمل وطوله (6417) والترمذي 4/548 كتاب صفة القيامة، باب: (22) (2454) وابن ماجه في المصدر السابق (4231) والدارمي 2/304.