قوله : { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُم } " هَلُمَّ " هنا اسْم فِعْلِ معنى " أحْضِروا " ، و " شُهَدَاءكم " مفْعُول به ؛ فإن اسْم الفِعْل يعمل عَمَلَ مُسَمَّاه من تعدٍّ ولُزُوم .
واعمل أن " هَلُمَّ " فيها لُغَتان : لغة الحِجَازيِّين ، ولغة التميميين :
فأمّا لغة الحِجَاز : فإنِّها فيها بصيغَةٍ واحدةٍ سواء اسْندت لمُفْرَدٍ أم مُثَنى أم مَجْمُوع أم مؤنث ، نحو : هَلُمَّ يا زَيْد ، يا زَيْدَان ، يا زَيْدُون ، يا هِنْد ، يا هِنْدَان ، يا هِنْدات ، وهي على هذه اللّغَة عن النُّحَاةِ اسْم فِعْل ؛ لعدم تغيُّرها ، والتزمت العَرَب فَتْح المِيم على هذه اللّغة ، وهي حركة بناء بُنيت على الفتح تخفيفاً .
وأما لغة تميم – وقد نسبها الليث إلى بني سعد - : فتلحقُها الضمائر كما تلحق سائر الأفْعَال ، فَيُقَال : هَلُمَّا ، هَلُمُّوا هلمِّي ، هَلُمُمْنَ .
وقال الفراء : " يقال هَلُمِّينَ يا نِسْوَة " وهي على هذه اللُّغَة فعل صَرِيحٌ لا يتصرف ؛ هذا قول الجُمْهُور ، وقد خَالفَ بَعْضُهم في فِعْليَّتِها على هذه اللُّغَة ؛ وليس بشيء ، والتزَمَت العَرَب أيضاً فِيهَا على لُغَة تَمِيم فَتْح الميم إذا كانت مُسْندة لضيمر الواحِد المُذَكَّر ، ولم يُجِيزُوا فيها ما أجَازُوا في ردَّ وشدَّ من الضَّمِّ والكَسْر .
واختلف النحويون فيها : هل هي بَسِيطَةٌ أو مركبة ؟ ثم القائلون بترْكِيبَها اختلفوا فيما رُكِّبَت مِنهُ : فَجُمْهُور البَّصْريِّين على أنَّها مركَّبَة من " هَا " الَّتِي للتَّنْبِيه ، ومن " الممْ " أمراً من لَمَّ يَلُمُّ ، فلما رُكِّبَتا حُذِفَتْ ألِفُها لكثرة الاسْتِعْمَال ، وسقطت هَمْزَة الوصْل ؛ للاسْتِغْنَاء عنها بِحَرَكة الميم المنقُولة إليْهَا لأجْل الإدْغَام ، وأدغمت الميمُ في الميم ، وبُنيت على الفَتْح .
وقيل : بل نُقِلَت حركَةُ الميم للاَّم ، فَسَقَطت الهَمْزَة للاستِغْنَاء عنها ، فلّما جِيئَ ل " هَا " التي للتَّنْبيه ، التقى ساكنان : ألف " هَا " واللاَّم من " لَمَّ " لأنها سَاكِنَة تقديراً ، ولم يَعْتَدوا بهذه الحركَة ؛ لأن حَركة النَّقْل عارِضَة ، فحُذِفَت ألِف " هاء " لالْتِقَاء السَّاكنيْن تقديراً .
وقيل : بل حُذِفَت ألف " هَا " لالتقاء السَّاكنين ؛ وذلك أنَّه لمَّا جيء بها مع الميم ، سَقَطَت هَمْزَة الوَصْل في الدرج ، فالتقى ساكنان : ألف " ها " ولام " الممْ " فحذفت ألف " هَا " فبقى " هَلْمُم " فنقلت حَرَكَة الميمِ إلى اللاَّم وأدْغِمَت .
وذهب بعضهم إلى أنَّها مركَّبة من " هَا " التي للتَّنْبيه أيضاً ، ومن " لَمَّ " أمْراً مِنْ " لَمَّ اللَّهُ شَعْثَه " أي : جَمَعَه ، والمعنى عليه في هَلُمَّ ؛ لأنه بمعنى : اجمع نَفْسَك إلَيْنَا ، فحذفت ألِف " ها " لكثْرة الاستِعْمَال ، وهذا سَهْل جداً ؛ إذا ليس فيه إلا عَمَلٌ واحِدٌ ، هو حَذْفُ ألف " ها " ؛ وهو مَذْهَب الخَلِيل وسيبوَيْه{[15522]} .
وذهب الفرَّاء إلى أنها مركّبة من " هَلْ " التي هي للزَّجْر ، ومن " أمَّ " أمراً من " الأمّ " وهو القَصْد ، وليس فيه إلا عَمَلٌ واحد ؛ وهو نَقْل حَرَكة الهَمْزة إلى لامِ " هَلْ " وقد رُدَّ كل واحد من هذه المَذَاهِب بما يطُولُ الكتاب بذِكْرِه من غير فَائِدة .
و " هلم " : تكون مُتَعَدِّيَة بمعنى أحْضِر ، ولازمَة بمعنى أقْبِل ، فَمَنْ جَعَلَها مُتعدِّية ، أخذها مِنَ اللَّمِّ وهو الجمع ، ومَنْ جَعَلَها قَاصِرَةً ، أخذها مِن اللَّمَمِ وهو الدُّنُو والقُرْب .
اعلم أنه -تبارك وتعالى- نبه استِدْعَاء إقامة الشُّهَدَاء من الكَافِرين ؛ لِيُظْهِر أن لا شَاهِد لهم على تَحْرِيم ما حَرَّمُوه .
وقوله : " فإن شهدوا فلا تشهد معهم " تنْبِيهاً على كَوْنهم كاذِبين ، ثم بين-تعالى-أنَّه إن وقعَت مِنْهُم تلك الشَّهَادة ، فَعَنِ اتِّبَاع الهَوَى ، فأنت لا تَتَّبع أهواءهم ، ثم زاد في تَقْبيح ذلك بأنهم لا يؤمنون بالآخِرَة ، وكانوا ممَّن ينكرُون البَعْثَ والنُّشُور ، ثم زَاد في تَقْبيح ذلك بأنهم يَعْدِلُون برَبِّهم ، ويَجْعَلُون له شُرَكَاء- سبحانه وتعالى عما يَقُولون عُلُوَّاً كبيراً- .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.