قوله تعالى : { واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ الذي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا } الآية .
قال ابنُ عبَّاسٍ وابن مسعود : نزلت هذه الآيةُ في " بلعم بن باعوراء " {[16996]} .
وقال مجاهدٌ : بَلعَامُ ابن باعر{[16997]} .
وقال عطيَّةُ عن ابن عبَّاس : كان من بني إسرائيل{[16998]} .
وروي عن ابن أبي طلحة : أنَّه كان من الكنعانيين من مدينة الجبَّارين{[16999]} .
قال مقاتل : هو من مدينة البَلْقَاءِ ، وذلك أنَّ موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - وقومه ، قصد بلده ، وغزا أهله وكانوا كفاراً ، فطلبوا منه أن يدعو على موسى وقومه وكان مجاب الدعوة وعنده اسم الله الأعظم فامتنع منه ، فما زالوا يطلبونه حتى دعا عليه ، فاستجيب له ووقع موسى وبنوا إسرائيل في التّيهِ بدعائه ، فقال موسى : يا رب بأيِّ ذنبٍ وقعنا في التيهِ ؟
فقال : بدعاء بلعم ، فقال : كما سمعت دُعاءَهُ عليَّ ، فاسمع دعائي عليه ، ثم دعا موسى عليه الصلاة والسلام أن ينزع منه اسم الله الأعظم والإيمان ، فسلخه اللَّهُ مِمَّا كان عليه ، ونزع منه المعرفة ، فخرجت من صدره حمامة بيضاء{[17000]} .
وقيل : إنَّه كان نبيّاً من أنبياء الله ، دعا عليه موسى ، فنزع اللَّهُ تعالى منه الإيمان ، فصار كافراً وهذا بعيدٌ ؛ لقوله تعالى : { الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] فدلَّ على أنَّهُ تعالى لا يخصُّ عبداً بالرِّسالة إلاَّ إذا علم امتيازه عن سائر العبيد بمزيد المناقب العظيمة ، ومن كانت هذه حالهُ ، كيف يليق به الكفر ؟
وقال عبد الله بن عمرو وسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم : نزلت في أميَّة بن أبي الصلت وكان قد قرأ الكتب ، وعلم أنَّ الله تعالى مرسل رسولاً في ذلك الوقت ورجا أن يكون هو ، فلمَّا أرسل الله تعالى ، محمداً - عليه الصَّلاة والسَّلام - ، حسدهُ ، ثم مات كافراً ، وكان قد قصد بعض الملوك ، فلمَّا رجع مرَّ على قتلى بدر ، فسأل عنهم ، فقيل له : قتلهم محمد . فقال : لو كان نبيّاً ما قتل أقرباءه ، فلما مات أمية ، أتت أخته فازعةً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن وفاة أخيها فقالت : بينما هو راقدٌ ، أتاه اثنانِ ، فكشفنا سقف البيت ونزلا ، فقعد أحدهما عند رجليه ، والآخر عند رأسه . فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه أوعى ؟ قال : وعى . قال : أزكى ؟ قال : أبَى ، فسألته عن ذلك فقال : خيرٌ أريد بي ؛ فصرف عني ثم غشي عليه ، فلما أفاق قال : [ الخفيف ]
كُلُّ عَيْشٍ وإنْ تَطاوَلَ دَهْراً *** صَائِرٌ مَرَّةً إلى أنْ يَزُولا
لَيْتَنِي كُنْتُ قَبْلَ ما قَدْ بَدَا لِي *** فِي قلالِ الجِبالِ أرْعَى الوُعُولاَ
إنَّ يَوْمَ الحسابِ يَوْمٌ عظيمٌ *** شَابَ فِيهِ الصَّغيرُ يَوْماً ثَقِيْلاً{[17001]}
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشديني شعر أخيك ، فأنشدته بعض قصائده .
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : آمن شعره وكفر قلبه " {[17002]}
وروي عن ابن عباس نزلت في البسوس رجل من بني إسرائيل ، وكان قد أعطي ثلاث دعوات مستجابات ، وكانت له امرأة له منها ولد ، فقالت : اجعل لي منها دعوة واحدة ، فقال لها : لَكِ منها واحدةٌ ، فما تريدين ؟ قالت : ادْعُ اللَّهَ أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل فدعا لها ؛ فجعلت أجمل امرأة في بني إسرائيل ؛ فلمَّا علمت أنه ليس فيهم مثلها رغبت عنه فغضب الزَّوْجُ فدعا عليها فصارت كلبة نباحة [ فذهبت فيها دعوتان ، فجاء بنوها وقالوا : ليس لنا على هذا إقرار قد صارت أمنا كلبة نباحة ] ، فصار النَّاس يعيروننا بها ، فادع الله أن يردَّهَا إلى حالها الأول ، فدعا الله فعادت كما كانت فذهبت فيها الدَّعوات كلها{[17003]} .
وقيل : نزلت في أبي عامر الرَّاهبِ الذي سمَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالفاسق كان يتزهد في الجاهليَّة فلما جاء الإسلام خرج إلى الشام ، وأمر المنافقين باتَّخاذهم مسجد الضِّرار وأتى قيصر واستنجده على النبي صلى الله عليه وسلم فمات هناك طريداً وحيداً{[17004]} .
وقال الحسنُ ، وابن كيسان ، والأصم نزلت في منافقي أهل الكتاب ، كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم{[17005]} .
وقال عكرمةُ ، وقتادة ، وأبو مسلم : هذا عام فيمن عرض عليه الحق فأعرض عنه .
وقوله : " فانسَلَخَ مِنْهَا " .
قال ابن عباس : " آتيْنَاهُ آياتِنَا " أوتي كتاباً من كُتبِ اللَّهِ " فانسَلَخَ مِنْهَا " أي : خرج منها كما تنسلخ الحية من جلدها .
قوله : { فَأَتْبَعَهُ الشيطان } الجمهور على أتبعَهُ رباعياً ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه متعدٍّ لواحد بمعنى أدركه ولحقه ، وهو مبالغةٌ في حقه حيث جُعل إماماً للشيطان . ويحتمل أن يكون متعدِّياً لاثنين ؛ لأنَّهُ منقولٌ بالهمزة من " تَبع " ، والمفعولُ الثَّاني محذوفٌ تقديره : أتبعه الشيطان خطواتِهِ ، أي : جعله تابعاً لها ، ومِنْ تعدِّيه لاثنين قوله تعالى : { واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ } [ الطور : 21 ] .
وقرأ الحسنُ{[17006]} وطلحةُ بخلاف عنه : فاتَّبَعَهُ بتشديد التاء ، فهل " تبعه " واتبعَهُ بمعنى أو بينهم فرق ؟
قيل بكل منهما ، وأبدى بعضهم الفرق بأن " تَبِعه " مشى في أثره ، و " اتَّبعَهُ " إذا وازَاهُ في المشي .
وقيل : " اتَّبعه " بمعنى : استتبعه .
ومعنى الآية : أتبعه الشيطان كفار الإنس وغواتهم أي الشيطان جعل كفار الإنس أتباعاً له .
وقال عبد الله بن مسلم : " فأتبعه الشيطان " . أي : أدركه .
ويقال : تبعت القوم ، إذا لحقتهم .
قال أبو عبيد : يقال : أتبعت القوم مثل : أفعلتُ إذا كانوا قد سبقُوكَ فلحقْتُهُم وقوله { فَكَانَ مِنَ الغاوين } أي : أطاع الشيطان فكان من الضالين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.