قال عبدُ الله بنُ الزُّبير : أمر اللَّهُ نبيَّهُ صلى الله عليه وسلم بأخذ العفو من أخلاق النَّاسِ .
قال مجاهدٌ : يعني خذ العفو من أخلاق النَّاسِ وأعمالهم من غير تَجَسُّسِ وذلك مثل قبول الاعتذار ، والعفو المتساهل ، وترك البَحْثِ عن الأشياء ونحو ذلك{[17103]} . روي أنَّهُ لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : " ما هذا ؟ قال : لا أدْرِي حتى أسْألَ ثم رجع فقال : " إنَّ اللَّهَ يأمر أنَّ تصلَ مَنْ قطعك ، وتُعْطي مَنْ حَرَمكَ ، وتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمكَ {[17104]} "
قال العلماءُ : تفسيرُ جبريل - عليه الصَّلاةُ والسَّلام - مطابق للفظ الآية ؛ لأنَّك إن وصلت من قطعك فقد عفوت عنه ، وإن أعطيت من حرمك فقد أتيت بالمعروف ، وإذا عفوت عمَّن ظلمك فقد أعرضت عن الجاهلين .
وقال ابنُ عباَّسٍ ، والسدُّ ، والضحاك ، والكلبيُّ : والمعنى خُذ ما عفا لك من أموالهم وهو الفضل من العيال ، وذلك معنى قوله : { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو } [ البقرة : 219 ] ثم نسخت هذه الآية بالصَّدقات المفروضات{[17105]} .
قوله : { وَأْمُرْ بالعرف } ، أي : بالمعروف ، وهو كلُّ ما يعرفه الشَّرع ، وقال عطاءٌ : { وَأْمُرْ بالعرف } بلا إله إلا الله وأعرض عن الجاهلين " يعني أبا جهل وأصحابه ، نسختها آية السَّيْفِ ، وقيل : إذا تسفه عليك الجاهل ، فلا تقابله بالسَّفهِ كقوله : { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [ الفرقان : 63 ] .
قال جعفرُ الصَّادق : ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاقِ من هذه الآية .
اعلم أنَّ تَخْصِيصَهُمْ قوله : " خُذِ العَفْوَ " بما ذكروه من أخذ الفضل تقييد للمطلق من غير دليل ، وأيضاً إذا حملناه على أداء الزَّكَاةِ كالمقادير المخصوصة مُنافياً لذلك ؛ لأنَّ أخذ الزكاة مأمور بأن لا يأخذ كرائم الأموال ولا يشدد الأمر على المزكي ، فلم يك إيجاب الزَّكاةِ ناسخاً لهذه الآية .
وأمَّا قوله : { وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين } فالمقصودُ منه أمر الرَّسُول بأن يصبر على سوء أخلاقهم ، وأن لا يقابل أقوالهم الركيكة وأفعالهم الخسيسة بأمثالها وليس فيه دلالة على المنع من القتالِ ؛ لأنَّهُ لا يمتنع أن يؤمر عليه الصَّلاة والسَّلام بالإعراض عن الجاهلين مع الأمر بقتال المشركين فإنَّهُ لا تناقض بأن يقول الشَّارعُ لا تُقابلْ سفاهتهم بمثلها ولكن قاتلهم ، وإذا أمكن الجمع بين الأمرين ؛ فلا حاجة إلى التزامِ النَّسْخٍ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.