قوله تعالى : { واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ } الآية .
قال ابن عباس : يعني بالذِّكر : القراءة في الصلاة ، يريد يقرأ سراً في نفسه{[17135]} .
قوله " تَضَرُّعاً وخيفَةً " في نصبهما وجهان :
أظهرهما : أنَّهُمَا مفعولان من أجلهما ، لأنَّهُ يتسببُ عنهما الذِّكر .
والثاني : أن ينتصبا على المصدر الواقع موقع الحال ، أي : مُتضرعين خائفين ، أو ذوي تضرع وخيفة .
وقرئ " وخفيَةً " {[17136]} بتقديم الفاءِ ، وقيل : هما مصدران للفعل من معناه لا من لفظه ذكره أبو البقاءِ . وهو بعيدٌ .
قوله : " ودُونَ الجَهْرِ " قال أبُو البقاءِ : معطوف على تَضَرُّع ، والتقديرُ ، ومقتصدين . وهذا ضعيفٌ ؛ لأنَّ دُوَ ظرفٌ لا يتصرَّف على المشهور ، قال فالذي ينبغي أن يجعل صفة لشيء محذوف ذلك المحذوف هو الحال ، كما قدَّرهُ الزمخشري فقال : ودُونَ الجهْرِ ومتكلماً كلاماً دُونَ الجهْرِ ، لأنَّ الإخفاء أدخلُ في الإخلاص ، وأٌربُ إلى حسن التفكر .
معنى تضرُّعاً وخيفَةً أي : تتضرَّعُ إليَّ وتخافُ منِّي ، هذا في صلاة السِّر وقوله ودُونَ الجهْرِ أرادَ في صلاة الجهرِ لا تَجْهَر جَهْراً شديداً ، بل في خفضٍ وسُكونٍ تُسمعُ من خلفك .
وقال مجاهدٌ وابن جريجٍ : أمروا أن يذكروه في الصدورِ بالتضرع في الدُّعاء والاستكانة دون رفع الصوت والصياح في الدعاء{[17137]} .
قوله بالغُدُوِّ والآصالِ متعلق ب : اذْكُر أي : اذكُرْهُ في هذين الوقتين وهما عبارةٌ عن اللَّيل والنَّهارِ .
ومعناهما : البكرات والعشيَّات .
وقال أبُو البقاءِ{[17138]} : بالغُدُوِّ متعلق ب : ادعُو وهو سبقُ لسانٍ ، أو قلم ، إذ ليس نظمُ القرآن كذا ، والغُدُوُّ : إما جمع غدوة ، ك : قمح وقمحة ، وعلى هذا فيكون قد قابل الجمع بالجمع والمعنوي .
وقيل هو مصدرٌ ، قال تعالى : { غُدُوُّهَا شَهْرٌ } [ سبأ : 12 ] فيقدَّرُ زمانٌ مضاف إليه حتَّى يتقابل زمان مجموع بمثله تقديره : بأوقات الغدو ، والآصال جمع : أصُل ، وأصُل جمع : أصيل ، فهو جمع الجمع ولا جائزٌ أن يكون جمعاً ل : أصِيل ، لأنَّ فعيلاً ، لا يجمع على أفعال وقيل : هو جمعٌ ل : أصِيل ، وفَعِيلٌ يجمع على أفْعَال نحو : يَمِينٌ وأيمانٌ ، وقيل : آصال جمع ل : أصُل ، وأصُل مفرد ، ثبت ذلك من لغتهم ، وهو العَشِيُّ وفُعُل يجمع على " أفْعَال " قالوا : عُنُق وأعْنَاق ، وعلى هذا فلا حاجة إلى دَعْوَى أنَّه جمعُ الجمع ، ويجمعُ على " أصْلان " ك : رغيفٍ ورُغْفَان ، ويُصَغَّر على لفظه ؛ كقوله : [ البسيط ]
وقَفْتُ فيهَا أصَيْلاناً أسَائِلُهَا *** عَيَّتْ جواباً وما بالرَّبْعِ مِنْ أحَدِ{[17139]}
واستدلَّ الكوفيُّون بقولهم : أصيلان على جواز تصغير جمع الكثرةِ بهذا البيت ، وتأوَّلَهُ البصريُّون على أنَّه مفرد ، وتُبْدَل نونه لاماً . ويروى أصيلاً كَيْ .
وقرأ أبو مجلز{[17140]} واسمه : لاحقُ بنُ حُميدٍ السدوسيُّ البصري : والإيصَال مصدرُ : آصَلَ أي : دَخَلَ في الأصيلِ ، والأصيلُ : ما بين العصر والمغرب .
ثمَّ قال تعالى { وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الغافلين } والمرادُ منه أنَّ العبد يجبُ أن يكون ذاكراً لِلَّهِ تعالى في كلِّ الأوقات لأنه حثّه على الذكرِ الغدوات وبالعشيات ثم عمَّمَ بقوله : { وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الغافلين } يعني أنَّ الذكر القلبي يجب أن يكون دائما ، وأن لا يغفل الإنسانُ عنه لحظةً واحدةً بحسب الإمكان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.