قوله تعالى : { يا أيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ } الآية .
قال أبو عبيدة ، والزجاج : " استَجِيبُوا " معناه : أجيبوا ؛ وأنشدوا قول الغنوي : [ الطويل ]
. . . *** فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذاكَ مُجِيبُ{[17251]}
وهذه الآية تدلُّ على أنَّ الأمر يفيدُ الوجوب ؛ لأنها تدل على أنه لا بُدَّ من الإجابة في كل ما دعاه الله إليه .
فإن قيل : قوله { استجيبوا للَّهِ } أمرٌ . فلم قلتم : إنَّه على الوجوب ؟ وهل النّزاع إلا فيه ، فيرجع حاصل هذا الكلام إلى إثباتِ أنَّ الأمر للوجوب بناء على أنَّ هذا الأمر يفيدُ الوجوب فيقتضي إثبات الشيء بنفسه ، وهو مُحال .
فالجواب : أنَّ من المعلوم بالضَّرورة أنَّ كل ما أمر اللَّهُ به فهو مرغب فيه مندوب إليه ، فلو حملنا قوله " اسْتَجِيبوا " على هذا المعنى كان ذلك جارياً مجرى إيضاح الواضحات وهو عبثٌ ، فوجب حمله على فائدة زائدة ، وهي الوجوب صوناً لهذا النصّ عن التعطيل .
ويؤيده ما روى أبو هريرة " أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ على باب أبي بن كعب فناداه وهو في الصَّلاة فعجل في صلاته ثم جاء فقال : " ما منعكَ عَنْ إجابتِي " ؟ فقال : كنتُ أصلِّي ، فقال : " أليس الله يقول : { يا أيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } " فلامه على ترك الإجابة متمسكاً بهذه الآية{[17252]} .
فإن قيل : مسألةُ الأمر - يفيد الوجوب - مسألةٌ قطعيَّةٌ ، فلا يجوز التمسك فيها بخبر الواحد .
فالجوابُ : لا نسلم أنَّ مسألة الأمر - يفيدُ الوجوب - مسألة قطعيةٌ ، بل هي ظنيَّةٌ ؛ لأن المقصود منها العمل ، والدلائل الظنية كافية في العمل .
فإن قيل : إنَّ الله تعالى ما أمر بالإجابة مطلقاً ، بل بشرط خاص ، وهو قوله : { إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } فلم قلتم إنَّ هذا الشرط الخاص حاصلٌ في جميع الأوامر ؟
فالجواب : أنَّ قصة أبي تدلُّ على أنَّ هذا الحكم عام ليس مخصصاً بشرط معين ، وأيضاً فلا يمكن حمل الحياة ههنا على نفس الحياة ؛ لأنَّ إحياء الحيِّ محالٌ ؛ فوجب حملُه على شيء آخر وهو الفوز بالثواب ، وكل ما دعا اللَّهُ إليه ورغب فيه مشتمل على الثواب ، فكان هذا الحكم عاماً في جميع الأوامر .
في المُرادِ بقوله " لِمَا يُحْييكُم " وجوه :
أحدها : قال السُّديُّ : هو الإيمان والإسلامُ وفيه الحياة{[17253]} ، وقال قتادةُ : يعني القرآن فيه الحياة والنَّجاة{[17254]} . وقال مجاهدٌ : هو الحق{[17255]} .
وقال ابن إسحاق : الجهادُ أعزكم اللَّهُ فيه بعد الذُّلِّ ، وقال القتيبيُّ : الشَّهادةُ ، قال تعالى : { بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [ آل عمران : 169 ] .
قوله { وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ } قال الواحديُّ حكاية عن ابن عباس ، والضحاك : يحولُ بين المرءِ الكافرِ وطاعته ، ويحولُ بين المطيع ومعصيته ، فالسَّعيدُ من أسعده اللَّهُ ، والشقيُّ من أضله الله ، والقلوب بيده يقلبها كيف يشاء{[17256]} .
وقال السُّديُّ : يحول بين الإنسان وقلبه ، فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه{[17257]} .
وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ ، وعطاءٌ : يحولُ بين المؤمن والكفر وبين الكافر والإيمان{[17258]} .
وقيل : إنَّ القوم لمَّا دعوا إلى القتال في حالة الضعف ساءت ظنونهم واختلجت صدورهم ، فقيل لهم : قاتلُوا في سبيل اللَّهِ ، واعلموا أنَّ الله يحُولُ بين المرءِ وقلبه فيبدلُ الله الخوف أمناً ، والجبن جراءة .
قوله : " بَيْنَ المَرْءِ " العامَّةُ على فتح الميم .
وقرأ ابن أبي{[17259]} إسحاق : بكسرها على إتباعها لحركة الهمزة ، وذلك أن في : " المَرْءِ " لغتين : أفصحهما : فَتْح الميم مطلقاً ، والثانية : إتباع الميم لحركة الإعراب فتقول : هذا مُرْءٌ - بضم الميم ، ورأيت مَرْءاً - بفتحها ، ومررت بِمِرْءٍ - بكسرها ، وقرأ الحسن{[17260]} ، والزهري : بفتح الميم وتشديد الرَّاءِ . وتوجيهها : أن يكون نقل حركة الهمزة إلى الرَّاءِ ، ثم ضعَّف الراء ، وأجرى الوصل مُجْرى الوقف .
قوله " وأنَّهُ " يجوز أن تكون الهاء ضمير الأمر والشأن ، وأن تعود على الله تعالى ، وهو الأحسن لقوله : " إلَيْهِ تُحْشَرُونَ " أي إلى اللَّهِ ؛ ولا تتركون مهملين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.