اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذۡ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحۡدَى ٱلطَّآئِفَتَيۡنِ أَنَّهَا لَكُمۡ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيۡرَ ذَاتِ ٱلشَّوۡكَةِ تَكُونُ لَكُمۡ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَيَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (7)

قوله " وإذْ يعدُكُمُ " " إذْ " منصوب بفعل مقدر ، أي : اذكر إذْ ، والجمهور على رفع الدال ؛ لأنَّه مضارع مرفوع .

وقرأ مسلمة بنُ{[17169]} محاربٍ : بسكونها على التَّخفيفِ لتوالي الحركاتِ .

وقرأ ابنُ محيصن{[17170]} " يعدكم اللَّهُ احدى " يوصل همزة احْدَى تخفيفاً على غير قياس ، وهي نظير قراءة من قرأ : { إِنَّهَا لحْدَى } [ المدثر : 35 ] بإسقاط الهمزة أجرى همزة القطع مُجْرَى همزة الوصل ، وقرأ أيضاً{[17171]} أحَد بالتَّذكير ؛ لأنَّ الطائفة مؤنث مجازي .

فصل

إحدى الطائفتين أي : الفرقتين :

أحدهما : أبو سفيان مع العير ، الأخرى أبو جهل مع النَّفيرِ ، و " أنَّها لَكُمْ " منصوبُ المحلِّ على البدلِ مِنْ إحْدَى أي : يَعِدُكم أنَّ إحدى الطائفتين كائنة لكم ، أي : تتسلَّطُون عليها تسلُّط المُلاَّكِ ، فهي بدل اشتمال وتوَدُّونَ تريدون : { أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ } يعني : العير التي ليس فيها قتال والشَّوكةُ : السلاح كسِنان الرُّمح ، والنصل والسَّيف ، وأصلها من النَّبتِ الحديدِ الطرف ، ك : " شَوْكِ السَّعدان " ، يقال منه : رَجُلٌ شائِكٌ ، فالهمزة مِنْ " واوٍ " ، ك : قائم ، ويجوزُ قلبه بتأخير عينه بعد لامه ، فيقال : شاكٍ ، فيصير ك : غازٍ ، ووزنهُ حينئذ فالٍ .

قال زهيرٌ : [ الطويل ]

لَدَى أسَدٍ شَاكِي السِّلاحِ مُقذَّفٍ *** لهُ لبدٌ أظفارهُ لمْ تُقلَّمِ{[17172]}

ويُوصفُ السلاحُ : بالشَّاكي ، كما يوصف به الرَّجُل ، فيقال : رجلٌ شاكٌ ، وشاكٍ ، وسلاحٌ شاكٌ ، وشاكٍ . فأمَّا " شاكٌ " غير معتل الآخر ، وألفه منقلبةٌ عن عين الكلمة ، ووزنهُ في الأصل على فَعِل بكسر العين ، ولكن قلبت ألفاً ، كما قالوا : كبشٌ صافٌ أي صوف ، وكذلك " شاكٌ " أي : شَوِكٌ .

ويحتمل أن يكون حذوف العين ، وأصله " شَائِكٌ " ، فحذفت العين ، فبقي " شاكاً " فألفه زائدةٌ ، ووزنه على هذا " فالٍ " .

وأمَّا : " شاكٍ " فمنقوصٌ ، وطريقته بالقلب كما تقدم ومن وصف السلاح بالشاك قوله : [ الوافر ]

وألْبِسُ من رضاهُ في طريقِي *** سلاحاً يَذْعَرُ الأبطالَ شَاكَا{[17173]}

فهذا يحتمل أن يكون محذوف العين ، وأن يكون أصله " شوكاً " ، ك : صَوِف . ويقال أيضاً : هو شاكٌّ في السلاح ، بتشديد الكافِ ، من " الشِّكَّة " ، وهي السلام أجمع ، نقله الهرويُّ ، والرَّاغبُ .

قال : إنَّكُم تريدون الطائفة التي لا حدة لها ، يعني : العير ، ولكن الله يريدُ التَّوجُّهَ إلى الطائفة الأخرى ليحق الحقَّ بكلماته .

وقرأ مسلمة{[17174]} بن محارب : " بكلمته " على التَّوحيد ، والمراد به : اسم الجنس فيؤدِّي مؤدَّى الجمع ، والمراد بقوله : " بِكلماتِهِ " أي : بأمره إيَّاكم بالقتالِ ، وقيل : بهدايته التي سبقت من إظهار الدّين وإعزازه : { وَيَقْطَعَ دَابِرَ الكافرين } والدَّابرُ الآخر من دبر ، ومنه دابرة الطَّائر وقطع الدَّابر عبارة عن الاستئصال أي : ليستأصلهم حتى لا يبقى منهم أحد .


[17169]:ينظر: المحرر الوجيز 2/503، والدر المصون 3/397.
[17170]:ينظر: المحرر الوجيز 2/503، والدر المصون 3/397، والبحر المحيط 4/458.
[17171]:ينظر: البحر المحيط 4/458، والدر المصون 3/397.
[17172]:تقدم.
[17173]:ينظر: البحر المحيط 4/452، والدر المصون 3/399.
[17174]:وقرأ بها أبو جعفر ونافع، وشيبة بخلاف عنهم كما في: المحرر الوجيز 2/504، وينظر: البحر المحيط 4/458، والدر المصون 3/397.