اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ هَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَّآ إِحۡدَى ٱلۡحُسۡنَيَيۡنِۖ وَنَحۡنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمۡ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٖ مِّنۡ عِندِهِۦٓ أَوۡ بِأَيۡدِينَاۖ فَتَرَبَّصُوٓاْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} (52)

{ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين } الآية .

هذا الجواب الثاني عن فرح المنافقين بمصائب المؤمنين ، أي : " هَلْ تَربَّصُونَ " ، أي : تنتظرون ، " بنا " أيها المنافقون ، { إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين } إمَّا النصر والغنيمة ، فيحصل لنا الفوز بالأموال في الدنيا والنصر ، والفوز بالثواب العظيم في الآخرة ، وإمَّا الشهادة ، فيحصل لنا الثواب العظيم في الآخرة .

قوله : { إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين } مفعول " تربَّص " ، فهو استثناء مفرغ . وقرأ ابن{[17869]} محيصنٍ : " إلاَّ احدى " بوصل ألف " إحدى " ؛ إجراءً لهمزة القطع مجرى همزة الوصل ؛ فهو كقول الشاعر : [ الرجز ]

إنْ لَمْ أقَاتِلْ فالبسُونِي بُرقَعَا{[17870]} *** . . .

وقول الآخر : [ الكامل ]

يَا بَا المُغيرةَ رُبَّ أمْرٍ مُعْضِلٍ *** فرَّجْتهُ بالمكْرِ مِنِّي والدَّهَا{[17871]}

قوله : { وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ } إحدى السوأتين إمَّا { أَن يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ } فيهلككم كما أهلك تلك الأمم الخالية ، { أَوْ بِأَيْدِينَا } أي : بأيدي المؤمنين ، إن أظهرتم ما في قلوبكم من النفاق ، فيقع بكم القتلِ والنَّهب مع الخزي والذلّ ، ومفعول : التربص " أَن يُصِيبَكُمُ " ثم قال : " فتربصوا " أي : إحدى الحالتين الشريفتين { إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ } أي : مواعيد الله من إظهار دينه ، واستئصال من خالفه ، فقوله : " فتربصوا " وإن كان صيغة أمر ، إلاَّ أنَّ المراد منه : التهديد ، كقوله : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم } [ الدخان : 49 ] .


[17869]:ينظر: المحرر الوجيز 3/44، البحر المحيط 5/53، الدر المصون 3/473.
[17870]:تقدم.
[17871]:تقدم.