اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ أَنفِقُواْ طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمۡ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ} (53)

قوله تعالى : { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْها } الآية .

" طوعاً ، أو كرهاً " مصدران في موضع الحال ، أي : طائعين ، أو كارهين . وقرأ{[17872]} الأخوان " كُرهاً " بالضَّمِّ ، وقد تقدم تحقيقُ ذلك في النساء . وقال أبُو حيان{[17873]} هنا : " قرأ الأعمش{[17874]} وابن وثاب " كُرهاً " بضم الكاف " . وهذا يُوهم أنَّها لم تُقْرأ في السبعة . قال الزمخشري : هو أمرٌ في معنى الخبر ، كقوله : { فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدّاً } [ مريم : 57 ] ، ومعناه لن يُتقبَّل منكم ؛ أنفقتم طوعاً أو كرهاً ، ونحوه قوله تعالى : { استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } [ التوبة : 80 ] ؛ وقول كثير عزة : [ الطويل ]

أسيئي بِنَا أو أحْسِنِي لا ملُومَة *** . . . {[17875]}

أي : لن يغفر اللهُ ، استغفرت لهم ، أو لم تستغفر . ولا نلومُكِ أحسنتِ إلينا ، أم أسَأتِ ؛ وفي معناه قول القائل : [ الطويل ]

أخُوكَ الذي إنْ قُمْتَ بالسَّيفِ عَامِداً *** لِتضْربَهُ لَمْ يَسْتغشَّكَ في الوُدِّ{[17876]}

وقال ابن عطيَّة{[17877]} " هذا أمرٌ في ضمنه جزاءٌ ، والتقدير : إنْ تنفقوا لن يُتقبَّل منكم . وأمَّا إذا عَرِي الأمرُ من الجواب فليس يصحبه تضمُّنُ الشَّرط " قال أبُو حيَّان " ويقَدْح في هذا التَّخريجِ ، أنَّ الأمر إذا كان فيه معنى الشرط ، كان الجواب كجواب الشرط . فعلى هذا يقتضي أن يكون التركيب : " فلن يتقبل " بالفاء ، لأنَّ " لَنْ " لا تقعُ جواباً للشَّرط إلاَّ بالفاء فكذلك ما ضُمِّنَ معناه ؛ ألا ترى جزمه الجواب ، في قوله : اقصد زيداً يُحْسِنْ إليكَ " .

قال شهابُ الدِّينِ " إنَّما أراد أبو محمد تفسير المعنى ، وإلا فلا يجهلُ مثل هذه الواضحات ، وأيضاً فلا يلزمُ أن يعطى الأمر التقديري حكم الشَّيء الظاهر من كل وجه " .

وقوله : " إنَّكمُ " وما بعده جارٍ مجرى التعليل . وقوله : { لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ } يحتملُ أن يكون المراد أن الرسُول - عليه الصلاة والسلام - لا يتقبل تلك الأموال منهم ، ويحتملُ أن يكون المراد أنها لا تصير مقبولة عند الله تعالى .

قيل : نزلت في جد بن قيس حين استأذن في القعود ، وقال : أعينكم بمالي ، والمرادُ بالفسق هنا : الكفر ، لقوله بعده { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ } [ التوبة : 54 ] .


[17872]:ينظر: حجة القراءات ص (319)، إتحاف فضلاء البشر 2/93، البحر المحيط 5/54، الدر المصون 3/472.
[17873]:ينظر: البحر المحيط 5/54.
[17874]:ينظر: القراءة السابقة.
[17875]:صدر بيت عجزه: لدينا ولا مقلية إن تقلت *** ... ينظر: ديوانه (101) أمالي ابن الشجري 1/49 التهذيب واللسان [حسن] معاني الفراء 1/441 القرطبي 8/161 الدر المصون 3/472 تفسير الطبري 14/293، تفسير الفخر 16/88.
[17876]:البيت من شواهد الكشاف 2/375، الدر المصون 3/472.
[17877]:ينظر: المحرر الوجيز 3/44.