مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَقُرۡءَانٗا فَرَقۡنَٰهُ لِتَقۡرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثٖ وَنَزَّلۡنَٰهُ تَنزِيلٗا} (106)

ثم قال : { وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث } وفيه مباحث :

البحث الأول : أن القوم قالوا : هب إن هذا القرآن معجز إلا أنه بتقدير أن يكون الأمر كذلك فكان من الواجب أن ينزله الله عليك دفعة واحدة ليظهر فيه وجه الإعجاز فجعلوا إتيان الرسول بهذا القرآن متفرقا شبهة في أنه يتفكر في فصل فصل ويقرأه على الناس فأجاب الله عنه بأنه إنما فرقه ليكون حفظه أسهل ولتكون الإحاطة والوقوف على دقائقه وحقائقه أسهل .

البحث الثاني : قال سعيد بن جيبر نزل القرآن كله ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء السفلى ، ثم فصل في السنين التي نزل فيها ، قال قتادة : كان بين أوله وآخره عشرون سنة والمعنى قطعناه آية آية وسورة سورة ولم ننزله جملة لتقرأه على الناس على مكث بالفتح والضم على مهل وتؤدة أي لا على فورة . قال الفراء : يقال مكث ومكث يمكث ، والفتح قراءة عاصم في قوله : { فمكث غير بعيد }

البحث الثالثة : الاختيار عند الأئمة فرقناه بالتخفيف وفسره أبو عمرو بيناه قال أبو عبيد : التخفيف أعجب إلي لأن تفسيره بيناه ومن قرأ بالتشديد لم يكن له معنى إلا أنه أنزل متفرقا فالفرق يتضمن التبيين ويؤكده ما روى ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال : فرقت أفرق بين الكلام وفرقت بين الأجسام ويدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم : « البيعان بالخيار ما لم يتفرقا » ولم يقل يفترقا والتفرق مطاوع التفريق والافتراق مطاوع الفرق ثم قال : { ونزلناه تنزيلا } أي على الحد المذكور والصفة المذكورة