فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقُرۡءَانٗا فَرَقۡنَٰهُ لِتَقۡرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثٖ وَنَزَّلۡنَٰهُ تَنزِيلٗا} (106)

{ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ } انتصاب { قرآناً } بفعل مضمر يفسره ما بعده ، قرأ عليّ ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وقتادة ، وأبو رجاء ، والشعبي ( فرقناه ) بالتشديد ، أي : أنزلناه شيئاً بعد شيء لا جملة واحدة . وقرأ الجمهور { فرقناه } بالتخفيف ، أي : بيناه وأوضحناه ، وفرقنا فيه بين الحق والباطل . وقال الزجاج : فرقه في التنزيل ليفهمه الناس . قال أبو عبيد : التخفيف أعجب إليّ ، لأن تفسيره بيناه ، وليس للتشديد معنى إلاّ أنه نزل متفرقاً . ويؤيده ما رواه ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال : فرقت مخففاً بين الكلام ، وفرقت مشدداً بين الأجسام ، ثم ذكر سبحانه العلة لقوله : فَرَقْنَاهُ ، فقال : { لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مكْثٍ } أي : على تطاول في المدّة شيئاً بعد شيء على القراءة الأولى ، أو أنزلناه آية آية ، وسورة سورة . ومعناه على القراءة الثانية { على مكث } أي : على ترسل وتمهل في التلاوة ، فإن ذلك أقرب إلى الفهم وأسهل للحفظ . وقد اتفق القراء على ضم الميم في : { مكث } إلاّ ابن محيصن فإنه قرأ بفتح الميم { ونزلناه تَنْزِيلاً } التأكيد بالمصدر للمبالغة ، والمعنى : أنزلناه منجماً مفرّقاً لما في ذلك من المصلحة ، ولو أخذوا بجميع الفرائض في وقت واحد لنفروا ولم يطيقوا .

/خ109