فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقُرۡءَانٗا فَرَقۡنَٰهُ لِتَقۡرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثٖ وَنَزَّلۡنَٰهُ تَنزِيلٗا} (106)

{ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ( 106 ) }

{ وَقُرْآنا } منصوب بفعل مقدر أي وآتيناك قرآنا ، وقيل نصب بفعل مضمر يفسره قوله : { فَرَقْنَاهُ } بالتخفيف على قراءة الجمهور ، أي بيناه وأوضحناه أو فرقنا فيه بين الحق والباطل .

وقال الزجاج : فرقة الله في التنزيل ليفهمه الناس . قال أبو عبيدة : التخفيف أعجب إلي لأن تفسيره بيناه ، وليس للتشديد معنى إلا أنه نزل متفرقا ، ويؤيده ما رواه ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال : فرقت مخففا بين الكلام وفرقت مشددا بين الأجسام .

وعن ابن عباس فرقناه مثقلا وقال : نزل القرآن إلى السماء في ليلة القدر من رمضان جملة واحدة فكان المشركون إذا أحدثوا شيئا أحدث الله لهم جوابا ففرقه الله في ثلاث وعشرين سنة . وقد روى نحو هذا عنه بطرق ، وعن فرقناه فصلناه على مكث بأمد . قال : في الجمل وبالتشديد قرأ علي وجماعة من الصحابة وغريهم وفيه وجهان : أحدهما : أن التضعيف للتكثير ، أي فرقنا آياته بين أمر ونهي وحكم وأحكام ومواعظ وأمثال وقصص وأخبار ماضية ومستقبلة . وبالثاني : أنه دال على التفريق والتنجيم . انتهى .

ثم ذكر سبحانه العلة لقوله فرقناه فقال : { لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ } أي على تطاول في المدة شيئا بعد شيء على القراءة الثانية أو أنزلناه آية آية وسورة سورة ، ومعناه عل القراءة الأولى على ترسل وتمهل وتؤدة في التلاوة ؛ فإن ذلك أقرب إلى الفهم وأسهل للحفظ ، وقد اتفق القراء على ضم الميم في مكث إلا ابن محيصن فإنه قرأ بفتح الميم .

{ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً } التأكيد بالمصدر للمبالغة والمعنى أنزلناه منجما مفرقا في ثلاث وعشرين سنة على حسب الحوادث لما في ذلك من المصلحة ، ولو أخذوا بجميع الفرائض في وقت واحد لنفروا ولم يطيقوا .