فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ يَنسِلُونَ} (51)

ثم أخبر سبحانه عما ينزل بهم عند النفخة الثانية فقال : { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ } وهي النفخة التي يبعثون بها من قبورهم وما بين النفختين أربعون سنة .

أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما بين النفختين أربعون . قالوا : يا أبا هريرة أربعين يوما قال أبيت قالوا : أربعين شهرا ؟ قال : أبيت . قالوا : أربعين سنة . قال : أبيت ، ثم ينزل من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل وليس من الإنسان شيء لا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ، ومنه يركب الخلق يوم القيامة ) {[1403]} . وعبر عن المستقبل بلفظ الماضي حيث قال :

{ ونفخ } تنبيها على تحقق وقوعه كما ذكره أهل البيان ، وجعلوا هذه الآية مثالا له ، والصور بإسكان الواو : هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل كما وردت بذلك السنة وإطلاق هذه الاسم على القرن معروف في لغة العرب وقد مضى هذا مستوفى في سورة الأنعام ، وقال قتادة : الصور جمع صورة أي نفخ في الصور الأرواح .

{ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ } أي القبور جمع جدث وهو القبر وقرئ الأجداف بالفاء وهي لغة واللغة الفصيحة بالثاء المثلثة .

{ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } أي يسرعون ويعدون ويخرجون منها أحياء بسرعة بطريق الجبر والقهر ، لا بطريق الاختيار ، فالنسل والنسلان الإسراع في السير يقال : نسل الذئب ينسل كضرب يضرب ، ويقال : ينسل بالضم أيضا وهو الإسراع في المشي .


[1403]:وهذا اللفظ لمسلم.