السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ يَنسِلُونَ} (51)

ولما دل ذلك على الموت قطعاً عقبه بالبعث بقوله تعالى : { ونفخ في الصور } أي : القرن النفخة الثانية للبعث وبين النفختين أربعون سنة . ولما كان هذا النفخ سبباً لقيامهم عنده من غير تخلف عبر تعالى بما يدل على التعقب والتسبب والفجأة بقوله تعالى : { فإذا هم } أي : حين النفخ { من الأجداث } أي : القبور واحدها جدث المهيأة هي ومن فيها لسماع ذلك النفخ . فإن قيل : كيف يكون ذلك الوقت أجداث وقد زلزلت الصيحة الجبال ؟ أجيب : بأن الله تعالى يجمع أجزاء كل ميت في الذي قبر فيه فيخرج من ذلك الموضع وهو جدثه { إلى ربهم } أي : إلى الموقف الذي أعده لهم من أحسن إليهم بالتربية { ينسلون } أي : يسرعون المشي مع تقارب الخطا بقوة ونشاط فيا لها من قدرة شاملة وحكمة كاملة حيث كان صوت واحد يحيي تارة ويميت أخرى .

فإن قيل : المسيئ إذا توجه إلى من أحسن إليه يقدم رجلاً ويؤخر أخرى والنسلان سرعة المشي فكيف يوجد منهم ؟ أجيب : بأنهم ينسلون من غير اختيارهم . فإن قيل : قال في آية أخرى { فإذا هم قيام ينظرون } ( الزمر : 68 ) وقال ههنا { فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } والقيام غير النسلان وقوله تعالى في الموضعين { إذا هم } يقتضي أن يكونا معاً ؟ أجيب : بأن القيام لا ينافي المشي السريع ؛ لأن الماشي قائم ولا ينافي النظر وبأن ذلك لسرعة الأمور كان الكل في زمان واحد كقول القائل :

مكر مفر مقبل مدبر معاً *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

واعلم أن النفختين يورثان تزلزلاً وانقلاباً للأجرام فعند اجتماع الأجرام يفرقها وهو المراد بالنفخة الأولى وعند تفرق الأجرام يجمعها وهو المراد النفخة الثانية .