فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ يَنسِلُونَ} (51)

ثم أخبر سبحانه عما ينزل بهم عند النفخة الثانية ، فقال : { وَنُفِخَ في الصور } وهي النفخة التي يبعثون بها من قبورهم ، ولهذا قال : { فَإِذَا هُم مّنَ الأجداث } أي القبور { إلى رَبّهِمْ يَنسِلُونَ } أي يسرعون ، وبين النفختين أربعون سنة . وعبر عن المستقبل بلفظ الماضي حيث قال : { ونفخ } تنبيهاً على تحقق وقوعه كما ذكره أهل البيان ، وجعلوا هذه الآية مثالاً له ، والصور بإسكان الواو : هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل ، كما وردت بذلك السنة ، وإطلاق هذا الاسم على القرن معروف في لغة العرب ، ومنه قول الشاعر :

نحن نطحناهم غداة الغورين *** نطحاً شديداً لا كنطح الصورين

أي القرنين . وقد مضى هذا مستوفى في سورة الأنعام . وقال قتادة : الصور جمع صورة ، أي نفخ في الصور الأرواح ، والأجداث جمع جدث ، وهو القبر . قرئ " الأجداف " بالفاء ، وهي لغة ، واللغة الفصيحة بالثاء المثلثة ، والنسل ، والنسلان : الإسراع في السير ، يقال : نسل ينسل كضرب يضرب ، ويقال : ينسل بالضم ، ومنه قول امرىء القيس :

* فسلي ثيابي من ثيابك تنسل *

وقول الآخر :

عسلان الذيب أمسى قارنا *** برد الليل عليه فنسل

/خ54