فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِيهِ مِن شَيۡءٖ فَحُكۡمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ} (10)

{ وَمَا اختلفتم فِيهِ مِن شَيْء فَحُكْمُهُ إِلَى الله } هذا عامّ في كل ما اختلف فيه العباد من أمر الدين ، فإن حكمه ، ومرجعه إلى الله يحكم فيه يوم القيامة بحكمه ، ويفصل خصومة المختصمين فيه ، وعند ذلك يظهر المحقّ من المبطل ، ويتميز فريق الجنة ، وفريق النار . قال الكلبي : وما اختلفتم فيه من شيء ، أي من أمر الدين ، فحكمه إلى الله يقضي فيه . وقال مقاتل : إن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن ، وآمن به بعضهم فنزلت ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . ويمكن أن يقال : معنى حكمه إلى الله : أنه مردود إلى كتابه ، فإنه قد اشتمل على الحكم بين عباده فيما يختلفون فيه ، فتكون الآية عامة في كل اختلاف يتعلق بأمر الدين أنه يردّ إلى كتاب الله .

ومثله قوله : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ في شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول } [ النساء : 59 ] ، وقد حكم سبحانه بأن الدين هو الإسلام ، وأن القرآن حق ، وأن المؤمنين في الجنة ، والكافرين في النار ، ولكن لما كان الكفار لا يذعنون لكون ذلك حقاً إلاّ في الدار الآخرة ، وعدهم الله بذلك يوم القيامة { ذلكم } الحاكم بهذا الحكم { الله رَبّى عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } اعتمدت عليه في جميع أموري ، لا على غيره ، وفوّضته في كلّ شؤوني { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أي أرجع في كل شيء يعرض لي لا إلى غيره .

/خ12