فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِيهِ مِن شَيۡءٖ فَحُكۡمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ} (10)

{ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } هذا عام في كل ما اختلف فيه العباد من أمر الدين ، فإن حكمه ومرجعه إلى الله يحكم فيه يوم القيامة بحكمه ، ويفصل خصومة المختصمين فيه ، وعند ذلك يظهر المحق من المبطل ، ويتميز فريق الجنة وفريق النار ، قال الكلبي وما اختلفتم فيه من شيء أي من أمر الدين فحكمه إلى الله يقضي فيه ، وزاد البيضاوي أو أمر الدنيا ، ولم يذكر الدنيا في الكشاف وذكره المحلي ، وقال من الدين وغيره ، والغير كالخصومات في الدنيا ، والأول أولى إذ لا يلزم أن تكون بينهم وبين الكفرة ، ولا يقال في مثله التحاكم إلى الله أفاده الشهاب .

وقال مقاتل إن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن وآمن به بعضهم ، فنزلت هذه الآية ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ويمكن أن يقال إن معنى حكمه إلى الله أنه مردود إلى كتابه ، فإنه قد اشتمل على الحكم بين عباده فيما يختلفون فيه ، فتكون الآية عامة في كل اختلاف يتعلق بأمر الدين أنه مردود إلى كتاب الله ، ومثله قوله :

{ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } وقد حكم سبحانه بأن الدين هو الإسلام ، وأن القرآن حق ، وأن المؤمنين في الجنة والكافرين في النار ولكن لما كان الكفار لا يذعنون لكون ذلك حقا إلا في الدار الآخرة وعدهم الله بذلك يوم القيامة ، وقيل : تحاكموا فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأن حكمه حكم الله ، ولا تؤثروا حكومة غيره على حكومته .

{ ذَلِكُمُ } مبتدأ أي الحاكم العظيم الشأن بهذا الحكم { اللَّهُ } خبر أول { رَبِّي } خبر ثان { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } خبر ثالث ، أي اعتمدت عليه في جميع أموري لا على غيره ، وفوضته في كل شؤوني { وَإِلَيْهِ } لا إلى غيره { أُنِيبُ } أي أرجع في كل شيء يعرض لي ، وهذا خبر رابع .