اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِيهِ مِن شَيۡءٖ فَحُكۡمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ} (10)

قوله تعالى : { وَمَا اختلفتم فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله } وجه النظم أنه تعالى كما منع{[49086]} الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحمل الكفار على الإيمان قهراً فكذلك منع{[49087]} المؤمنين أن يشرعوا معهم في الخُصُوماتِ والمنازعات فقال : { وَمَا اختلفتم فِيهِ } ( من شيء ){[49088]} من أمر الدين فحكمه إلى الله يقضي فيه ويحكم يوم القيامة بالفصل الذي يُزيل الرَّيب ، وقيل : وما اختلفتُم فيه من شيء وتنازعتم فتحاكموا فيه إلى رسول الله صلى لله عليه وسلم ولا يُؤْثروا حكومة غيره على حكومته{[49089]} .

وقيل : ما وقع بينكم فيه خلاف من الأمور التي لا يصل تكليفكم ولا طريق لكم إلى علمه ، فقولوا الله أعلم كما قال تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [ الإسراء : 85 ] .

قوله : { فَحُكْمُهُ إِلَى الله } إما أن يكون المراد فحكمه مستفاد من نص الله عليه ، أو المراد فحكمه مستفاد من القياس على ما نص الله عليه ، والثاني باطل ، لأنه يقتضي كون كل الأحكام مثتبة بالقياس وأنه باطل فتعين الأول ، فوجب كون كل الأحكام مثبتة بالمعنى ، وذلك ينفي العمل بالقياس .

فإن قيل : لا يجوز أن يكون المراد فحكمه معروف من بيان الله تعالى سواء كان ذلك البيان بالنص أو القياس ؟ .

فالجواب : أن المقصود من التحاكم إلى الله قطع الاختلاف والرجوع إلى القياس يقوي حكم الاختلاف ولا يوضحه فوجب أن يكون الواجب هو الرجوع إلى نص الله تعالى .

قوله : { ذَلِكُمُ الله } أي الذي يحكم بين المختلفين { رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } في رفع كيد الأعداء وفي طلب كُل خير { وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أي أرجع إليه في كل المهمات ، وهذا يفيد الحصر أي لا أتوكل إلا عليه{[49090]} .


[49086]:في ب يمنع وهو مخالف لما في الرازي ففيه منع.
[49087]:في ب يمنع وهو مخالف لما في الرازي ففيه منع.
[49088]:سقط من ب.
[49089]:قاله أبو حيان والرازي في مرجعيهما السابقين.
[49090]:ذكر كل هذا الإمام الفخر الرازي 27/149.