محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِيهِ مِن شَيۡءٖ فَحُكۡمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ} (10)

وقوله { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } تمهيد لما يأتي بعد ، من الأمر بإقامة الدين وعدم التفرق فيه ، الذي هو وصية الله تعالى لأنبيائه ، وشرعته لخلقه . وتنبيه على أن خلاف من خالف من المشركين والكافرين ، إنما مردّه إلى الله تعالى وحكمه وقضائه . وأنه لا دين إلا دينه ، ولا عبادة إلا عبادته ، ولا حلال إلا ما أحله ، ولا حرام إلا ما حرمه . والقصد الرد على مشركي مكة وأمثالهم ، في تشريعهم ما لم يأذن به الله ، وتحكيمهم اتباع الآباء وأفانين الأهواء . فإن السورة مكية . ومع ذلك ، فتدل الآية على أن ما اختلف فيه المختلفون وتنازعوا في شيء من الخصومات ، يجب أن يكون التحاكم فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن لا يؤثر على حكومته حكومة غيره . كقوله تعالى{[6437]} : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } وتدل أيضا على الرجوع إلى المحكم من كتاب الله ، والظاهر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا اختلفوا في تأويل آية واشتبه عليهم . وعلى تفويض ما لم تصل إلى دركه العقول ، إلى الله تعالى ، بأن يقال : الله أعلم . كما في قوله{[6438]} : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي } وقوله : { ذلكم الله ربي } بتقدير ( قل ) أو هو حكاية لقوله صلى الله عليه وسلم . أي الذي هذه الصفات صفاته ، ربي لا آلهتكم التي تدعون من دونه ، التي لا تقدر على شيء { عليه توكلت } أي في أموري كلها { وإليه أنيب } أي أرجع في المعاد ، أو من الذنوب ، أو في الأمور المعضلة .


[6437]:[4 / النساء /59].
[6438]:[17 / الإسراء / 85].