مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡوٞۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤۡتِكُمۡ أُجُورَكُمۡ وَلَا يَسۡـَٔلۡكُمۡ أَمۡوَٰلَكُمۡ} (36)

قوله تعالى { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم } .

زيادة في التسلية يعني كيف تمنعك الدنيا من طلب الآخرة بالجهاد ، وهي لا تفوتك لكونك منصورا غالبا ، وإن فاتتك فعملك غير موتر ، فكيف وما يفوتك ، فإن فات فائت ولم يعوض لا ينبغي لك أن تلتفت إليها لكونها لعبا ولهوا ، وقد ذكرنا في اللعب واللهو مرارا أن اللعب ما تشتغل به ولا يكون فيه ضرورة في الحال ولا منفعة في المآل ، ثم إن استعمله الإنسان ولم يشتغله عن غيره ، ولم يثنه عن أشغاله المهمة فهو لعب وإن شغله ودهشه عن مهماته فهو لهو ، ولهذا يقال ملاهي لآلات الملاهي لأنها مشغلة عن الغير ، ويقال لما دونه لعب كاللعب بالشطرنج والحمام ، وقد ذكرنا ذلك غير مرة ، وقوله { وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم } إعادة للوعد والإضافة للتعريف ، أي الأجر الذي وعدكم بقوله { أجر كريم } { وأجر كبير } { وأجر عظيم } وقوله { ولا يسئلكم أموالكم } يحتمل وجوها ( أحدها ) أن الجهاد لا بد له من إنفاق ، فلو قال قائل أنا لا أنفق مالي ، فيقال له الله لا يسئلكم مالكم في الجهات المعينة من الزكاة والغنيمة وأموال المصالح فيها تحتاجون إليه من المال لا تراعون بإخراجه ( وثانيها ) الأموال لله وهي في أيديكم عارية وقد طلب منكم أو أجاز لكم في صرفها في جهة الجهاد فلا معنى لبخلكم بماله ، وإلى هذا إشارة بقوله تعالى : { وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض } أي الكل لله ( وثالثها ) لا يسألكم أموالكم كلها ، وإنما يسألكم شيئا يسيرا منها وهو ربع العشر ، وهو قليل جدا لأن العشر هو الجزء الأقل إذ ليس دونه جزء وليس اسما مفردا ، وأما الجزء من أحد عشر ومن إثنى عشر وإلى مائة جزء لما لم يكن ملتفتا إليه لم يوضع له اسم مفرد .

ثم إن الله تعالى لم يوجب ذلك في رأس المال بل أوجب ذلك في الربح الذي هو من فضل الله وعطائه ، وإن كان رأس المال أيضا كذلك لكن هذا المعنى في الربح أظهر ، ولما كان المال منه ما ينفق للتجارة فيه ومنه ما لا ينفق ، وما أنفق منه للتجارة أحد قسميه وهو يحتمل أن تكون التجارة فيه رابحة ، ويحتمل أن لا تكون رابحة فصار القسم الواحد قسمين فصار في التقدير كان الربح في ربعه فأوجب ربع عشر الذي فيه الربح وهو عشر فهو ربع العشر وهو الواجب ، فعلم أن الله لا يسألكم أموالكم ولا الكثير منه .