مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْۘ بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيۡفَ يَشَآءُۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۚ وَأَلۡقَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ كُلَّمَآ أَوۡقَدُواْ نَارٗا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادٗاۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (64)

قوله تعالى : { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا } .

اعلم أن في الآية مسائل :

المسألة الأولى : في هذا الموضع إشكال ، وهو أن الله تعالى حكى عن اليهود أنهم قالوا ذلك ، ولا شك في أن الله تعالى صادق في كل ما أخبر عنه ، ونرى اليهود مطبقين متفقين على أنا لا نقول ذلك ولا نعتقده البتة ، وأيضا المذهب الذي يحكى عن العقلاء لابد وأن يكون معلوم البطلان بضرورة العقل ، والقول بأن يد الله مغلولة قول باطل ببديهة العقل ، لأن قولنا ( الله ) اسم لموجود قديم ، وقادر على خلق العالم وإيجاده وتكوينه ، وهذا الموجود يمتنع أن تكون يده مغلولة وقدرته مقيدة وقاصرة ، وإلا فكيف يمكنه مع القدرة الناقصة حفظ العالم وتدبيره .

إذا ثبت هذا فنقول : حصل الإشكال الشديد في كيفية تصحيح هذا النقل وهذه الرواية فنقول : عندنا فيه وجوه : الأول : لعل القوم إنما قالوا هذا على سبيل الإلزام ، فإنهم لما سمعوا قوله تعالى : { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا } قالوا : لو احتاج إلى القرض لكان فقيرا عاجزا ، فلما حكموا بأن الإله الذي يستقرض شيئا من عباده فقير مغلول اليدين ، لا جرم حكى الله عنهم هذا الكلام . الثاني : لعل القوم لما رأوا أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في غاية الشدة والفقر والحاجة قالوا على سبيل السخرية والاستهزاء : إن إله محمد فقير مغلول اليد ، فلما قالوا ذلك حكى الله عنهم هذا الكلام الثالث : قال المفسرون : اليهود كانوا أكثر الناس مالا وثروة ، فلما بعث الله محمدا وكذبوا به ضيق الله عليهم المعيشة فعند ذلك قالت اليهود : يد الله مغلولة ، أي مقبوضة عن العطاء على جهة الصفة بالبخل ، والجاهل إذا وقع في البلاء والشدة والمحنة يقول مثل هذه الألفاظ . الرابع : لعله كان فيهم من كان على مذهب الفلسفة ، وهو أنه تعالى موجب لذاته ، وأن حدوث الحوادث عنه لا يمكن إلا على نهج واحد وسنن واحد ، وأنه تعالى غير قادر على إحداث الحوادث على غير الوجوه التي عليها تقع ، فعبروا عن عدم الاقتدار على التغيير والتبديل بغل اليد . الخامس : قال بعضهم : المراد هو قول اليهود : إن الله لا يعذبنا إلا بقدر الأيام التي عبدنا العجل فيها ، إلا أنهم عبروا عن كونه تعالى غير معذب لهم إلا في هذا القدر من الزمان بهذه العبارة الفاسدة ، واستوجبوا اللعن بسبب فساد العبارة وعدم رعاية الأدب ، وهذا قول الحسن ، فثبت أن هذه الحكاية صحيحة على كل هذه الوجوه والله أعلم .

المسألة الثانية : غل اليد وبسطها مجاز مشهور عن البخل والجود ، ومنه قوله تعالى : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } قالوا : والسبب فيه أن اليد آلة لأكثر الأعمال لاسيما لدفع المال ولإنفاقه ، فأطلقوا اسم السبب على المسبب ، وأسندوا الجود والبخل إلى اليد والبنان والكف والأنامل . فقيل للجواد : فياض الكف مبسوط اليد ، وبسط البنان تره الأنامل . ويقال للبخيل : كز الأصابع مقبوض الكف جعد الأنامل .

فإن قيل : فلما كان قوله { يد الله مغلولة } المراد منه البخل وجب أن يكون قوله { غلت أيديهم } المراد منه أيضا البخل لتصح المطابقة ، والبخل من الصفات المذمومة التي نهى الله تعالى عنها ، فكيف يجوز أن يدعو عليهم بذلك ؟

قلنا : قوله { يد الله مغلولة } عبارة عن عدم الممكنة من البذل والإعطاء ، ثم إن عدم المكنة من الإعطاء تارة يكون لأجل البخل وتارة يكون لأجل الفقر ، وتارة يكون لأجل العجز ، فكذلك قوله { غلت أيديهم } دعاء عليهم بعدم القدرة والمكنة ؛ سواء حصل ذلك بسبب العجز أو الفقر أو البخل ، وعلى هذا التقدير فإنه يزول الإشكال .

المسألة الثالثة : قوله { غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا } فيه وجهان : الأول : أنه دعاء عليهم ، والمعنى أنه تعالى يعلمنا أن ندعو عليهم بهذا الدعاء كما علمنا الاستثناء في قوله { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ءامنين } وكما علمنا الدعاء على المنافقين في قوله { فزادهم الله مرضا } وعلى أبي لهب في قوله { تبت يدا أبى لهب } الثاني : أنه إخبار . قال الحسن : غلت أيديهم في نار جهنم على الحقيقة ، أي شدت إلى أعناقهم جزاء لهم على هذا القول .

فإن قيل : فإذا كان هذا الغل إنما حكم به جزاء لهم على هذا القول ، فكان ينبغي أن يقال : فغلت أيديهم .

قلنا : حذف العطف وإن كان مضمرا إلا أنه حذف لفائدة ، وهي أنه لما حذف كان قوله { غلت أيديهم } كالكلام المبتدأ به ، وكون الكلام مبتدأ به يزيده قوة ووثاقة ؛ لأن الابتداء بالشيء يدل على شدة الاهتمام به وقوة الاعتناء بتقريره ، ونظير هذا الموضع في حذف فاء التعقيب قوله تعالى : { وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا } ولم يقل : فقالوا أتتخذنا هزوا . وأما قوله { ولعنوا بما قالوا } قال الحسن : عذبوا في الدنيا بالجزية وفي الآخرة بالنار .

ثم قال تعالى : { بل يداه مبسوطتان } .

واعلم أن الكلام في هذه الآية من المهمات ، فإن الآيات الكثيرة من القرآن ناطقة بإثبات اليد ، فتارة المذكور هو اليد من غير بيان العدد . قال تعالى : { يد الله فوق أيديهم } وتارة بإثبات اليدين لله تعالى : منها هذه الآية ، ومنها قوله تعالى لإبليس الملعون { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } وتارة بإثبات الأيدي . قال تعالى : { أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما } .

إذا عرفت هذا فنقول اختلفت الأمة في تفسير يد الله تعالى ، فقالت المجسمة : إنها عضو جسماني كما في حق كل أحد ، واحتجوا عليه بقوله تعالى : { ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم ءاذان يسمعون بها } وجه الاستدلال أنه تعالى قدح في إلهية الأصنام لأجل أنها ليس لها شيء من هذه الأعضاء ، فلو لم تحصل لله هذه الأعضاء لزم القدح في كونه إلها ، ولما بطل ذلك وجب إثبات هذه الأعضاء له ، قالوا وأيضا اسم اليد موضوع لهذا العضو ، فحمله على شيء آخر ترك للغة ، وإنه لا يجوز .

واعلم أن الكلام في إبطال هذا القول مبني على أنه تعالى ليس بجسم ، والدليل عليه أن الجسم لا ينفك عن الحركة والسكون ، وهما محدثان ، وما لا ينفك عن المحدث فهو محدث ، ولأن كل جسم فهو متناه في المقدار ، وكل ما كان متناهيا في المقدار فهو محدث ، ولأن كل جسم فهو مؤلف من الأجزاء ، وكل ما كان كذلك كان قابلا للتركيب والانحلال ، وكل ما كان كذلك افتقر إلى ما يركبه ويؤلفه ، وكل ما كان كذلك فهو محدث ، فثبت بهذه الوجوه أنه يمتنع كونه تعالى جسما ، فيمتنع أن تكون يده عضوا جسمانيا .

وأما جمهور الموحدين فلهم في لفظ اليد قولان : الأول : قول من يقول : القرآن لما دل على إثبات اليد لله تعالى آمنا به ، والعقل لما دل على أنه يمتنع أن تكون يد الله عبارة عن جسم مخصوص وعضو مركب من الأجزاء والأبعاض آمنا به ، فأما أن اليد ما هي وما حقيقتها فقد فوضنا معرفتها إلى الله تعالى ، وهذا هو طريقة السلف .

وأما المتكلمون فقالوا : اليد تذكر في اللغة على وجوه : أحدها : الجارحة وهو معلوم ، وثانيها : النعمة ، تقول : لفلان عندي يد أشكره عليها ، وثالثها : القوة ، قال تعالى { أولى الأيدي والأبصار } فسروه بذوي القوى والعقول ، وحكى سيبويه أنهم قالوا : لا يد لك بهذا ، والمعنى سلب كمال القدرة ورابعها : الملك ، يقال : هذه الضيعة في يد فلان ، أي في ملكه . قال تعالى : { الذي بيده عقدة النكاح } أي يملك ذلك ، وخامسها : شدة العناية والاختصاص . قال تعالى : { لما خلقت بيدي } والمراد تخصيص آدم عليه السلام بهذا التشريف ، فإنه تعالى هو الخالق لجميع المخلوقات . ويقال : يدي لك رهن بالوفاء إذا ضمن له شيئا .

إذا عرفت هذا فنقول : اليد في حق الله يمتنع أن تكون بمعنى الجارحة ، وأما سائر المعاني فكلها حاصلة . وهاهنا قول آخر ، وهو أن أبا الحسن الأشعري رحمه الله زعم في بعض أقواله أن اليد صفة قائمة بذات الله تعالى ، وهي صفة سوى القدرة من شأنها التكوين على سبيل الاصطفاء قال : والذي يدل عليه أنه تعالى جعل وقوع خلق آدم بيديه علة لكرامة آدم واصطفائه ، فلو كانت اليد عبارة عن القدرة لامتنع كونه علة للاصطفاء ، لأن ذلك حاصل في جميع المخلوقات ، فلابد من إثبات صفة أخرى وراء القدرة يقع بها الخلق والتكوين على سبيل الاصطفاء ، وأكثر العلماء زعموا أن اليد في حق الله تعالى عبارة عن القدرة وعن النعمة .

فإن قيل : إن فسرتم اليد في حق الله تعالى بالقدرة فهذا مشكل ؛ لأن قدرة الله تعالى واحدة ونص القرآن ناطق بإثبات اليدين تارة ، وبإثبات الأيدي أخرى ، وإن فسرتموها بالنعمة فنص القرآن ناطق بإثبات اليدين ، ونعم الله غير محدودة كما قال تعالى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } .

والجواب : إن اخترنا تفسير اليد بالقدرة كان الجواب عن الإشكال المذكور أن القوم جعلوا قولهم { يد الله مغلولة } كناية عن البخل ، فأجيبوا على وفق كلامهم ، فقيل { بل يداه مبسوطتان } أي ليس الأمر على ما وصفتموه به من البخل ، بل هو جواد على سبيل الكمال . فإن من أعطى بيده أعطى على أكمل الوجوه ، وأما إن اخترنا تفسير اليد بالنعمة كان الجواب عن الإشكال المذكور من وجهين : الأول : أنه نسبة بحسب الجنس ، ثم يدخل تحت كل واحد من الجنسين أنواع لا نهاية لها ، فقيل : نعمتاه نعمة الدين ونعمة الدنيا ، أو نعمة الظاهر ونعمة الباطن ، أو نعمة النفع ونعمة الدفع ، أو نعمة الشدة ونعمة الرخاء . الثاني : أن المراد بالنسبة المبالغة في وصف النعمة ، ألا ترى أن قولهم ( لبيك ) معناه إقامة على طاعتك بعد إقامة ، وكذلك ( سعديك ) معناه مساعدة بعد مساعدة ، وليس المراد منه طاعتين ولا مساعدتين . فكذلك الآية : المعنى فيها أن النعمة متظاهرة متتابعة ليست كما ادعى من أنها مقبوضة ممتنعة .

ثم قال تعالى : { ينفق كيف يشاء } أي يرزق ويخلق كيف يشاء ، إن شاء قتر ، وإن شاء وسع . وقال { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء } وقال { يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } وقال { قل اللهم مالك الملك } إلى قوله { وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير } .

واعلم أن هذه الآية رد على المعتزلة ، وذلك لأنهم قالوا : يجب على الله تعالى إعطاء الثواب للمطيع ، ويجب عليه أن لا يعاقبه ، ويجب عليه أن لا يدخل العاصي الجنة ، ويجب عليه عند بعضهم أن يعاقبه ، فهذا المنع والحجر والقيد يجري مجرى الغل ، فهم في الحقيقة قائلون بأن يد الله مغلولة وأما أهل السنة فهم القائلون بأن الملك ملكه ، وليس لأحد عليه استحقاق ، ولا لأحد عليه اعتراض كما قال { قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا } فقوله سبحانه : { بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء } لا يستقيم إلا على المذهب والمقالة ، والحمد لله على الدين القويم والصراط المستقيم .

ثم قال تعالى : { وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا } وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : المراد بالكثير علماء اليهود ، يعني ازدادوا عند نزول ما أنزل إليك من ربك من القرآن والحجج شدة في الكفر وغلوا في الإنكار ، كما يقال : ما زادتك موعظتي إلا شرا . وقيل : إقامتهم على الكفر زيادة منهم في الكفر .

المسألة الثانية : قال أصحابنا : دلت الآية على أنه تعالى لا يراعي مصالح الدين والدنيا لأنه تعالى لما علم أنهم يزدادون عند إنزال تلك الآيات كفرا وضلالا ، فلو كانت أفعاله معللة برعاية المصالح للعباد لامتنع عليه إنزال تلك الآيات ، فلما أنزلها علمنا أنه تعالى لا يراعي مصالح العباد ، ونظيره قوله { فزادتهم رجسا إلى رجسهم } .

فإن قالوا : علم الله تعالى من حالهم أنهم سواء أنزلها أو لم ينزلها فإنهم يأتون بتلك الزيادة من الكفر ، فلهذا حسن منه تعالى إنزالها .

قلنا : فعلى هذا التقدير لم يكن ذلك الازدياد لأجل إنزال تلك الآيات ، وهذا يقتضي أن تكون إضافة ازدياد الكفر إلى إنزال تلك الآيات باطلا ، وذلك تكذيب لنص القرآن .

ثم قال تعالى : { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } .

واعلم أن اتصال هذه الآية بما قبلها هو أنه تعالى بين أنهم إنما ينكرون نبوته بعد ظهور الدلائل على صحتها لأجل الحسد ولأجل حب الجاه والتبع والمال والسيادة .

ثم إنه تعالى بين أنهم لما رجحوا الدنيا على الآخرة لا جرم أن الله تعالى كما حرمهم سعادة الدين ، فكذلك حرمهم سعادة الدنيا ، لأن كل فريق منهم بقي مصرا على مذهبه ومقالته ، يبالغ في نصرته ويطعن في كل ما سواه من المذاهب والمقالات تعظيما لنفسه وترويجا لمذهبه ، فصار ذلك سببا لوقوع الخصومة الشديدة بين فرقهم وطوائفهم ، وانتهى الأمر فيه إلى أن بعضهم يكفر بعضا ويغزو بعضهم بعضا ، وفي قوله { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء } قولان : الأول : المراد منه ما بين اليهود والنصارى من العداوة لأنه جرى ذكرهم في قوله { لا تتخذوا اليهود والنصارى } وهو قول الحسن ومجاهد . الثاني : أن المراد وقوع العداوة بين فرق اليهود ، فإن بعضهم جبرية ، وبعضهم قدرية ، وبعضهم موحدة ، وبعضهم مشبهة ، وكذلك بين فرق النصارى : كالملكانية والنسطورية واليعقوبية .

فإن قيل : فهذا المعنى حاصل بتمامه بين فرق المسلمين ، فكيف يمكن جعله عيبا على اليهود والنصارى ؟

قلنا : هذه البدع إنما حدثت بعد عصر الصحابة والتابعين ، أما في ذلك الزمان فلم يك شيء من ذلك حاصلا ، فلا جرم حسن من الرسول ومن أصحابه جعل ذلك عيبا على اليهود والنصارى .

ثم قال تعالى : { كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله } .

وهذا شرح نوع آخر من أنواع المحن عن اليهود ، وهو أنهم كلما هموا بأمر من الأمور رجعوا خائبين خاسرين مقهورين ملعونين كما قال تعالى : { ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا } قال قتادة : لا تلقى اليهود ببلدة إلا وجدتم من أذل الناس .

ثم قال تعالى : { ويسعون في الأرض فسادا } أي ليس يحصل في أمرهم قوة من العزة والمنعة ، إلا أنهم يسعون في الأرض فسادا ، وذلك بأن يخدعوا ضعيفا ، ويستخرجوا نوعا من المكر والكيد على سبيل الخفية . وقيل : إنهم لما خالفوا حكم التوراة سلط عليهم بختنصر ، ثم أفسدوا فسلط عليهم بطرس الرومي ، ثم أفسدوا فسلط عليهم المجوس ، ثم أفسدوا فسلط عليهم المسلمين .

ثم قال تعالى : { والله لا يحب المفسدين } وذلك يدل على أن الساعي في الأرض بالفساد ممقوت عند الله تعالى .