روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

{ فَبِأَي ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } الخطاب للثقلين لأنهما داخلان في { الأنام } [ الرحمن : 10 ] على ما اخترناه ، أو لأن الأنام عبارة عنهما على ما روي عن الحسن ، وسينطق بهما في قوله تعالى : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أيه الثقلان } [ الرحمن : 31 ] وفي الأخبار كما ستعلمه إن شاء الله تعالى قريباً ما يؤيده ، وقد أبعد من ذهب إلى أنه خطاب للذكر والأنثى من بني آدم ، وأبعد أكثر منه من قال : إنه خطاب على حد { أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ } [ ق : 24 ] ويا شرطي أضربا عنقه ، يعني أنه خطاب للواحد بصورة الاثنين والفاء لترتيب الإنكار ، والتوبيخ على ما فصل من فنون النعماء وصنوف الآلاء الموجبة للإيمان والشكر حتماً ، والتعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن المالكية الكلية والتربية مع الإضافة إلى ضميرهم لتأكيد النكير وتشديد التوبيخ ومعنى تكذيبهم بشيء من آلائه تعالى كفرهم به إما بإنكار كونه منه عز وجل مع عدم الاعتراف بكونه نعمة في نفسه كتعليم القرآن وما يستند إليه من النعم الدينية ، وإما بإنكار كونه منه تعالى مع الاعتراف بكونه نعمة في نفسه كالنعم الدنيوية الواصلة إليهم بإسناده إلى غيره سبحانه استقلالاً ، أو اشتراكاً صريحاً ، أو دلالة فإنه إشراكهم لآلهتهم به تعالى في العبادة من دواعي إشراكهم لها به تعالى فيما يوجبها ، والتعبير عن كفرهم المذكور بالتكذيب لما أن دلالة الآلاء المذكورة على وجوب الإيمان والشكر شهادة منها بذلك فكفرهم بها تكذيب لا محالة أي فإذا كان الأمر كما فصل { فَبِأَىّ } فرد من أفراد نعم مالككما ومربيكما بتلك النعم { تُكَذّبَانِ } مع أن كلاً منها ناطق بالحق شاهد بالصدق ويندب أن يقول سامع هذه الآية : لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد ، فقد أخرج البزار . وابن جرير . وابن المنذر . والدارقطني في الإفراد . وابن مردويه . والخطيب في تاريخه بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة { الرحمن } على أصحابه فسكتوا فقال : مالي أسمع الجن أحسن جواباً لربها منكم ما أتيت على قول الله تعالى : { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } إلا قالوا : لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد » .

وأخرج الترمذي وجماعة وصححه الحاكم عن جابر بن عبد الله نحوه ، وقرئ { فَبِأَىّ } بالتنوين في جميع السورة كأنه حذف منه المضاف إليه وأبدل منه { رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } بدل معرفة من نكرة .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

قوله : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } آلاء جمع ومفرده : إلي وألي وألي وإلى وألو{[4419]} والآلاء ، النعم والخيرات مما منّ الله به على العالمين من وجوه الرزق والخير والنعمة في مختلف مناحي الحياة والطبيعة ، فضلا عما ذرأه الله في نفس الإنسان من النعم الكثيرة كنعمة العقل والسمع والبصر والشم والذوق والحس والمشي ، وما ذرأه لذلك كله من أسباب ووسائل في غاية الكمال من حسن الهيئة والصورة وتمام التناسق والانسجام . والمعنى : فبأي أنعم الله أيها الثقلان تكذبان وهي أنعم جزيلة وهائلة ومبسوطة في أرجاء الكون والحياة جميعا . وإذا قرأنا هذه الآية بادرنا القول كما قالت الجن المؤمنون : اللهم ولا بشيء من آلائك نكذب {[4420]} .


[4419]:القاموس المحيط ص 1627.
[4420]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 272 وتفسير النسفي جـ 4 ص 208.