{ فبأي آلاء } أي فبأي فرد من أفراد نعم { ربكما تكذبان ؟ } أبتلك النعم المذكورة هنا ؟ أم بغيرها ؟ والمراد بالتكذيب الإنكار والخطاب للجن والإنس ، لأن لفظ الأنام يعمهما وغيرهما ، ثم خصص بهذا الخطاب من يعقل ، وبهذا قال الجمهور من المفسرين ، ويدل عليه قوله فيما سيأتي : { سنفرغ لكم أية الثقلان } ، ويدل على هذا ما قدمناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها على الجن والإنس ، وقيل : الخطاب للإنس ، وثناه على قاعدة العرب في خطاب الواحد بلفظ التثنية ، كما قدمنا في قوله : ألقيا في جهنم ، والآلاء النعم . قال القرطبي : وهو قول جميع المفسرين ، واحدها إلى وألى مثل معى وعصا وإلى " وألى " أربع لغات حكاها النحاس ، وزاد في القاموس ألو ، وقال ابن زيد : إنها القدرة ، أي : فبأي قدرة ، وبه قال الكلبي ، وقال ابن عباس : فبأي نعمة الله وقال : يعني الجن والإنس .
وكرر سبحانه هذه الآية في هذه السورة في أحد وثلاثين موضعا تقريرا للنعمة وتأكيدا للتذكير بها ، على عادة العرب في الاتساع ثمانية منها ذكرت عقب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله ، وبدائع صنعه ، ومبدأ الخلق ومعادهم ثم سبعة منها عقب آيات فيها ذكر النار وشدائدها ، بعدد أبواب جهنم ، وحسن ذكر الآلاء عقبها لأن من جملة الآلاء رفع البلاء ، وتأخير العقاب ، وبعد هذه السبعة ثمانية في وصف الجنتين وأهلهما بعدد أبواب الجنة وثمانية أخرى بعدها في الجنتين اللتين هما دون الجنتين الأولين ، أخذا من قوله : ومن دونهما جنتان ، فمن اعتقد الثمانية الأولى وعمل بموجبها استحق هاتين الثمانيتين من الله ووقاه السبعة السابقة ، أفاده شيخ الإسلام في متشابه القرآن .
قال القتيبي : إن الله عدد في هذه السورة نعماءه ، وذكر خلقه وآلاءه ، ثم أتبع كل خلة وضعها بهذه الآية ، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين ، لينبههم على النعم ، ويقررهم بها ، كما تقول لمن تتابع له إحسانك وهو يكفره : ألم تكن فقيرا فأغنيتك ؟ أفتنكر هذا ؟ ألم تكن خاملا فعززتك ؟ أفتنكر هذا ؟ ألم تكن راجلا فحملتك ؟ أفتنكر هذا ؟ ألم تكن عريانا فكسوتك ؟ أفتنكر هذا ؟ والتكرير حسن في مثل هذا ومنه قول الشاعر :
لا تقتلي رجلا إن كنت مسلمة إياك من دمه إياك إياك
ومثل هذا الكلام شائع في كلام العرب ، وذلك لأن الله تعالى ذكر في هذه السورة ما يدل على وحدانيته من خلق الإنسان وتعليمه البيان وخلق الشمس والقمر ، والسماء والأرض ، إلى غير ذلك مما أنعم به على خلقه ، وخاطب الجن والإنس بالأشياء المذكورة ، لأنها كلها منهم بها عليهم ، قال الحسين بن الفضل : التكرير طرد للغفلة ، وتأكيد للحجة ، وذهب جماعة منهم ابن قتيبة إلى أن التكرير لاختلاف النعم ، ، فلذلك كرر التوقيف مع كل واحدة .
وقال الرازي : وذكره بلفظ الخطاب على سبيل الالتفات والمراد به التقرير والزجر ، وذكر لفظ الرب لأنه يشعر بالرحمة . وكررت هذه اللفظة في هذه السورة إما للتأكيد ، ولا يعقل لخصوص العدد معنى ، قال الجلال المحلي : والاستفهام فيها للتقرير ، لما روي الحاكم . عن جابر قال : قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها ، ثم قال : ما لي أراكم سكوتا ، للجن كانوا أحسن منكم ردا ، ما قرأت عليهم هذه الآية إلا قالوا : ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب ، فلك الحمد " {[1555]} ، قلت : ويؤخذ من هذا أنه يسن لسامع القارئ لهذه السورة أن يجيبه بالجواب المذكور ؛ كلما قرأ الآية المذكورة ، كما فعلت الجن وأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك ، ولام على الصحابة في سكوتهم ، وصرح بالسنية الكازروني في تفسيره ، وصنيع أبي السعود يقتضي أن الاستفهام للتوبيخ والإنكار ، ولفظه الفاء لترتيب الإنكار والتوبيخ على ما فضل من فنون النعم ، وصنوف الآلاء الموجبة للشكر والإيمان حتما والتعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن المالكية الكلية ، والتربية مع الإضافة إلى ضميرهم لتأكيد النكير ، وتشديد التوبيخ ، وقرئ آلاء على أصله بالمد والتوسط والقصر في جميع هذه السورة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.