تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

الآية 13 وقوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } هذا خطاب للجن والإنس ، وفيه دلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى الإنس والجن /542-أ/ جميعا .

ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { يا معشر الجن والإنس } [ الأنعام : 130 ] وقيل : ليس أن يخاطبها جملة ولكن يخاطب كل إنسي وجني في نفسه كقوله تعالى : وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا } [ البقرة : 135 ] ليس أن قال الفريقان جميعا كونوا هودا تهتدوا . ولكن قال اليهود : كونوا هودا تهتدوا ، وقال النصارى : كونوا نصارى تهتدوا . فعلى ذلك هذا .

ثم قوله عز وجل : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } عن جابر بن عبد الله [ أنه ]{[20258]} قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ، فقرأ سورة الرحمن من أولها ، فسكتوا ، فقال : لقد قرأتها على الجن ، فكانوا أحسن مردودا منكم ، كانوا كلما قرأت عليهم : { فبأي آلاء ربكما تكذبان } قالوا : لا بشيء من آلائك ربنا نكذب ، فلك الحمد } . [ الترمذي 3291 ] .

ثم في ما ذكر من قوله : { والأرض وضعها للأنام } { فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام } [ الآيات : 10 و11 و . . . ] إلى آخره يذكر نعمه وقدرته وتدبيره وعلمه ووحدانيته .

أما نعمه فإنها{[20259]} بسط الأرض لهم بما فيها من أنواع الحبوب والفواكه التي بها قوامهم والعصف وأنواع النبات التي بها قوام دوابهم . وأما بيان قدرته وسلطانه فإنشاء هذه الفواكه والحبوب في أكمامها ما يعجز الخلق عن إحداث شيء وفعله في العلق ليعلم أن صنعه وفعله خارج عن المعالجات والممارسات التي لا يتحقق مع الأغطية . فإن قدرته وفعله غير مقيسين بأفعال الخلق وقدرتهم .

كذلك الأولاد في البطون والفراخ في البيض وأمثالها في الظلمات ليعلم أنه لا يخفى عليه شيء . ثم إنشاء هذه الثمار والحبوب في الوقت الذي لا يحتمل [ فيه ]{[20260]} البرد والحر في الأكمام من وراء الحجب ، وإمساكها فيها في حال ضعفها ، فإذا اشتدت ، وقويت ، أخرجها في العلق ، في ذلك لطف منه ونعمة عظيمة على خلقه . وفيه إثبات البعث من وجهين :

أحدهما : أن من قدر على إنشاء هذه الأشياء قادر على إعادة الخلق .

والثاني : أنه لما أنشأ لهم ما ذكر ، ثم منهم من شكر هذه النعم ، ومنهم من كفر ، ثم استويا في هذه الدنيا . وفي الحكمة التفريق بينهما ، فلا بد من دار أخرى ، فيها يفرق بينهما .

وفيه لزوم الامتحان ؛ إذ لا يحتمل أن ينشىء لهم هذه النعم ، ثم يتركهم سدى لا يستأدي شكر ما أنعم عليهم ثم معرفة الشاكر منهم والكافر لا تعرف إلا بمعرف يعرفهم ، لأن مقدار الشكر وكيفيته لا يعرفان{[20261]} بمجرد العقل ، فيضطرهم إلى رسول يخبرهم عن الله تعالى ذلك ، فيكون فيه إثبات الرسالة .

ثم في إخراج هذه الحبوب والفواكه كلها في وقت واحد من المشرق والمغرب على سنن واحد في زمان واحد من غير تفاوت دليل على أن علمه وتدبيره أزليان ذاتيان ؛ إذ لم يمنعه شيء عن شيء .

ثم اتساق ذلك واتصال ما ذكر من منافع الأرض بمنافع السماء من غير مدخل من أحد دليل على وحدانيته ؛ إذ لو كان ذلك فعل عدد ما جرى ذلك على سنن واحد على ما هو التدافع والتمانع في الأمر القائم بين اثنين عند الاختلاف ، والله الموفق .


[20258]:في الأصل و م: فإنه
[20259]:في الأصل و م: فإنه.
[20260]:ساقطة من الأصل و م.
[20261]:في الأصل و م: يعرف.