النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

{ فَبِأَيِّ ءَالآءِ رَبِّكُمَا تُكذِّبَانِ } في الآلاء قولان :

أحدهما : أنها النعم ، وتقديره فبأي نعم ربكما تكذبان ، قاله ابن عباس ، ومنه قول طرفة :

كامل يجمع الآلاء الفتى *** بيديه سيد السادات خصم

الثاني : أنها القدرة ، وتقدير الكلام فبأي قدرة ربكما تكذبان ، قاله ابن زيد ، والكلبي .

وفي قوله ربكما إشارة إلى الثقلين الإنس والجن في قول الجميع .

وقد روى محمد بن المنكدر عن جابر قال : قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال : " مِا لِي أَرَاكُم سُكُوتاً ؟ ! الجِنُّ أَحْسَنُ مِنكُم رَداً ، كُنتُ كُلَّمَا قَرأَتُ عَلَيهِم الآيةَ { فَبَأَيِّ ءَالآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } قَالُوا : وَلاَ بِشَيءٍ مِن نِّعَمِكَ رَبَّنَا نُكّذِّبُ فَلَكَ الحَمْدُ{[2843]} " .

وتكرارها{[2844]} في هذه السورة لتقرير النعم التي عددها ، فقررهم عند كل نعمة منها ، كما تقول للرجل أما أحسنت إليك حين وهبت إليك مالاً ؟ أما أحسنت إليك حين بنيت لك داراً ، ومنه قول مهلهل بن ربيعة يرثي أخاه كليباً :

على أن ليس عدلاً من كليب *** إذا ما ضيم جيران المجير

على أن ليس عدلاً من كليب *** إذا خرجت مخبأة الخدور


[2843]:رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب. ورواه الحاكم وصححه. ووافقه الذهبي. انظر جامع الأصول 2/ 373.
[2844]:المراد تكرار: "فبأي آلاء ربكما تكذبان".