الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13)

{ فَبِأَيِّ آلاءِ } نِعَم { رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } أيها الثقلان .

يدل عليه ما أخبرنا الحسين بن محمد قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن مسلم الحنبلي قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن عبدالخالق قال : حدّثنا عبدالوهاب الوراق قال : حدّثنا أبو إبراهيم الترجماني قال : حدّثنا هشام بن عمار الدمشقي ، قال : حدّثنا الوليد بن مسلم قال : حدّثنا وهب ابن محمد عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة الرَّحْمن حتى ختمها .

ثم قال : " ما لي أراكم سكوتاً ؟ للجن أحسن منكم ردّاً ، ما قرأت عليهم هذه الآية مرة { فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } إلاّ قالوا : ولا بشيء من نعمك ربّنا نكذب " .

وقيل : خاطب بلفظ التثنية على عادة العرب ، وقد مضت هذه المسألة في قوله سبحانه :

{ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ } [ ق : 24 ] .

وأما الحكمة من تكرارها فقال القتيبي : إن الله سبحانه وتعالى عدّد في هذه السورة نعماه ، وذكّر خلقه آلاءه . ثم أتبع ذكر كلّ كلمة وضعها ، ونعمة ذكرها بهذه الآية ، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقرّرهم بها ، وهو كقولك لرجل : أحسنت إليه وتابعت بالأيادي ، وهو في كل ذلك ينكرك ويكفرك : ألم تكن فقيراً فأغنيتك ؟ أفتنكر ؟ ألم تكن عرياناً فكسوتك ؟ ، أفتنكر هذا ؟ ألم أحملك وأنت راحل ؟ أفتنكر هذا ؟ ألم تكن خاملاً فعززتك ؟ ، أفتنكر هذا ؟ ألم تكن صرورة فحججت بك ؟ أفتنكر هذا ؟ والتكرار سايغ في كلام العرب ، حسن في مثل هذا الموضع . قال الشاعر :

المم سلومه المم المم

وقال الآخر :

كم نعمة كانت لكم *** كم كم وكم

وقال آخر :

فكادت فرارة تصلى بنا *** فاولى فرارة أولى فراراً

وقال آخر :

لا تقطعن الصديق ماطرفت *** عيناك من قول كاشح أشر

ولا تملّنّ من زيارته *** زره وزره وزر وزر وزر

وقال الحسين بن الفضل : التكرار لطرد الغفلة وتأكيد الحجة .