{ وَآخَرِينَ } جمع آخر بمعنى الغير ، وهو عطف على { الاميين } [ الجمعة : 2 ] أي وفي آخرين { مِنْهُمْ } أي من الأميين ، و من للتبيين { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ العزيز الحكيم } أي لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون ، وهو الذين جاءوا بعد الصحابة إلى يوم الدين ؛ وجوز أن يكون عطفاً على المنصوب في { وَيُعَلّمُهُمُ } [ الجمعة : 2 ] أي ويعلمهم ويعلم آخرين فإن التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كله مستنداً إلى أوله فكأنه عليه الصلاة والسلام هو الذي تولى كل ما وجد منه واستظهر الأول ، والمذكور في الآية قوله صلى الله عليه وسلم ، وجنس الذين بعث فيهم ، وأما المبعوث إليهم فلم يتعرض له فيها نفياً أو إثباتاً ، وقد تعرض لإثباته في آياته أخر ، وخصوص القوم لا ينافي عموم ذلك فلا إشكال في تخصيص الآخرين بكونهم من الأميين أي العرب في النسب ، وقيل : المراد من الأميين في الأمية فيشمل العجم ، وبهم فسره مجاهد كما رواه عنه ابن جرير . وغيره وتعقب بأن العجم لم يكونوا أميين .
وقيل : المراد منهم في كونهم منسوبين إلى أمة مطلقاً لا في كونهم لا يقرأون ولا يكتبون ، وهو كما ترى إلا أنه لا يشكل عليه وكذا على ما قبله ما أخرجه البخاري . والترمذي . والنسائي . وجماعة عن أبي هريرة قال : «كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزلت سورة الجمعة فتلاها فلما بلغ { وَءاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } قال له رجل : يا رسول الله من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا ؟ فوضع يده على سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه ، وقال : والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال من هؤلاء » فإنه صلى الله عليه وسلم أشار بذلك إلى أنهم فارس ، ومن المعلوم أنهم ليسوا من الأميين المراد بهم العرب في النسب .
وقال بعض أهل العلم : المراد بالأميين مقابل أهل الكتاب لعدم اعتناء أكثرهم بالقراءة والكتابة لعدم كتاب لهم سماوي تدعوهم معرفته إلى ذلك فيشمل الفرس إذ لا كتاب لهم كالعرب ، وعلى ذلك يخرج ما أشار إليه الحديث من تفسير الآخرين بالفرس وهو مع ذلك من باب التمثيل ، والاقتصار على بعض الأنواع بناءاً على أن بعض الأمم لا كتاب لهم أيضاً ، وربما يقال : إن من في { مِنْهُمْ } اسمية بمعنى بعض مبتدأ كما قيل في قوله تعالى : { وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ } [ البقرة : 8 ] وضمير الجمع لآخرين وجملة { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } خبر فيشمل آخرين ، طوائف الناس الذين يلحقون إلى يوم القيامة من العرب والروم والعجم وغيرهم ؛ وبذلك فسره الضحاك . وابن حيان . ومجاهد في رواية ، ويكون الحديث من باب الاقتصار والتمثيل كقول ابن عمر : هم أهل اليمن ، وابن جبير هم الروم والعجم فتدبر .
وزعم بعضهم أن المراد بقوله تعالى : { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } أنهم لم يلحقوا بهم في الفضل لفضل الصحابة على التابعين ومن بعدهم ، وفيه أن { لَّمّاً } منفيها مستمر إلى الحال ويتوقع وقوعه بعده فتفيد أن لحوق التابعين ومن بعدهم في الفضل للصحابة متوقع الوقوع مع أنه ليس كذلك ، وقد صرحوا أنه لا يبلغ تابعي وإن جل قدراً في الفضل مرتبة صحابي وإن لم يكن من كبار الصحابة ، وقد سئل عبد الله بن المبارك عن معاوية . وعمر بن عبد العزيز أيهما أفضل ؟ فقال : الغبار الذي دخل أنف فرس معاوية أفضل عند الله من مائة عمر بن عبد العزيز فقد صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ { اهدنا الصراط المستقيم } [ الفاتحة : 6 ] الخ فقال معاوية : آمين ، واستدل على عدم اللحوق بما صح من قوله عليه الصلاة والسلام فيهم : «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه » على القول بأن الخطاب لسائر الأمة ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : «أمتي كالمطر لا يدري أوله خير أم آخر » فمبالغة في خيريتهم كقول القائل في ثوب حسن البطانة : لا يدري ظهارته خير أم بطانته .
هذا ومن باب الإشارة : وفي قوله تعالى : { وَءاخَرِينَ } [ الجمعة : 3 ] الخ بناءاً على عطفه على الضمير المنصوب قيل : إشارة إلى عدم انقطاع فيضه صلى الله عليه وسلم عن أمته إلى يوم القيامة ؛ وقد قالوا بعدم انقطاع فيض الولي أيضاً بعد انتقاله من دار الكثافة والفناء إلى دار التجرد والبقاء
{ وآخرين منهم } وفي آخرين وجهان من الإعراب : أحدهما الخفض ، على الرد إلى الأميين ، مجازه : وفي آخرين ، والثاني النصب ، على الرد إلى الهاء والميم في قوله { ويعلمهم } أي ويعلم آخرين منهم ، أي : المؤمنين الذين يدينون بدينهم ، لأنهم إذا أسلموا صاروا منهم ، فإن المسلمين كلهم أمة واحدة . واختلف العلماء فيهم ، فقال قوم : هم العجم ، وهو قول ابن عمر وسعيد بن جبير ورواية ليث عن مجاهد ، والدليل عليه ما أخبرنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن محمد المعلم الطوسي بها ، حدثنا أبو الحسن محمد يعقوب ، أنبأنا أبو النصر محمد بن محمد بن يوسف ، حدثنا الحسين بن سفيان ، وعلي بن طيفور ، وأبو العباس الثقفي قالوا : حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد العزيز ، عن ثور ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة قال : " كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه سورة الجمعة ، فلما قرأ : { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } قيل : من هؤلاء يا رسول الله ؟ فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرتين أو ثلاثاً ، قال : وفينا سلمان الفارسي ، قال : فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ، ثم قال : " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء " .
أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، أنبأنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار ، أنبأنا محمد بن زكريا العذافري ، أنبأنا إسحاق الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن جعفر الجرزي عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو كان الدين عند الثريا لذهب إليه رجل ، أو قال : رجال ، من أبناء فارس حتى يتناولوه " . وقال عكرمة ومقاتل : هم التابعون . وقال ابن زيد : هم جميع من دخل في الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد . قوله { لما يلحقوا بهم } أي : يدركوهم ولكنهم يكونون بعدهم . وقيل : { لما يلحقوا بهم } أي في الفضل والسابقة لأن التابعين لا يدركون شأو الصحابة . { وهو العزيز الحكيم . }
قوله : { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم } آخرين ، فيه وجهان . أحدهما : أنه معطوف على الأميين ، أي بعث في الأميين وبعث في آخرين منهم { لما يلحقوا بهم } أي لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون بهم وهم الذين بعد الصحابة ( رضي الله عنهم ) . أو هم الذين يأتون من بعدهم إلى يوم الدين . الوجه الثاني ، وهو أنه معطوف على الضمير المنصوب في قوله : { يعلمهم } أي يعلمهم ويعلم آخرين{[4534]} .
قوله : { وهو العزيز الحكيم } يصف الله نفسه بالعزة والحكمة ، فهو القوي المقتدر ، الحكيم في أفعاله ومقاديره ، إذ اختار محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ليكون للعالمين هاديا ومرشدا ، وهو الأمّي الذي ما كان يتلو من كتاب ولا يخطه بيمينه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.