روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (257)

{ الله وَلِيُّ الذين ءامَنُواْ } أي معينهم أو محبهم أو متولي أمورهم والمراد بهم من أراد الإيمان أو ثبت في علمه تعالى إيمانه أو آمن بالفعل { يُخْرِجُهُم } بهدايته وتوفيقه وهو تفسير للولاية أو خبر ثان عند من يجوز كونه جملة أو حال من الضمير في { وَلِيُّ } . { مِنَ الظلمات } التابعة للكفر أو ظلمات المعاصي أو الشبه كيف كانت . { إِلَى النور } أي نور الإيمان أو نور الطاعات أو نور الإيقان بمراتبه ، وعن الحسن أنه فسر الإخراج هنا بالمنع فالمعنى يمنعهم عن أن يدخلوا في شيء من الظلمات واقتصر الواقدي في تفسير الظلمات ، والنور على ذكر الكفر والإيمان وحمل كل ما في القرآن على ذلك سوى ما في الأنعام ( 1 ) من قوله تعالى : { وَجَعَلَ الظلمات والنور } فإن المراد بهما هناك الليل والنهار ، والأولى أن يحمل الظلمات على المعنى الذي يعم سائر أنواعها ويحمل النور أيضاً على ما يعم سائر أنواعه ، ويجعل في مقابلة كل ظلمة مخرج منها نور مخرج إليه حتى إنه سبحانه ليخرج من شاء من ظلمة الدليل إلى نور العيان ، ومن ظلمة الوحشة إلى نور الوصلة ، ومن ظلمة عالم الأشباح إلى نور عالم الأرواح إلى غير ذلك «مما لا ، ولا » وأفرد النور لوحدة الحق كما أن جمع الظلمات لتعدد فنون الضلال ، أو أن الأول : إيماء إلى القلة والثاني : إلى الكثرة .

{ والذين كَفَرُواْ } أي أرادوا الكفر أو ثبت كفرهم في علمه سبحانه أو كفروا بالفعل { أَوْلِيَاؤُهُمُ } حقيقة أو فيما عندهم { الطاغوت } أي الشياطين أو الأصنام أو سائر المضلين عن طرق الحق ، والموصول مبتدأ أول ، و( أولياؤهم ) مبتدأ ثان ، و( الطاغوت ) خبره ، والجملة خبر الأول والجملة الحاصلة معطوفة على ما قبلها ، قيل : ولعل تغيير السبك للاحتراز عن وضع الطاغوت في مقابلة الاسم الجليل ولقصد المبالغة بتكرير الإسناد مع الإيماء إلى التباين بين الفريقين من كل وجه حتى من جهة التعبير أيضاً ، وقرئ ( الطواغيت ) على الجمع وصح جمعه على القول بأنه مصدر لأنه صار اسماً لما يعبد من دون الله تعالى : { يُخْرِجُونَهُم } بالوساوس وإلقاء الشبه أو بكونهم بحالة جرت اعتقادهم فيهم النفع والضر وأنهم يقربونهم إلى الله تعالى زلفى ، والتعبير/ عنهم بضمير العقلاء إما لأنهم منهم حقيقة أو ادعاء ونسبة الإخراج إليهم مجاز من باب النسبة إلى السبب فلا يأبى تعلق قدرته وإرادته تعالى بذلك { مّنَ النور } أي الفطري الذي جبل عليه الناس كافة ، أو نور البينات المتتابعة التي يشاهدونها بتنزيل تمكنهم من الاستضاءة بها منزلة نفسها فلا يرد أنهم متى كانوا في نور ليخرجوا منه ، وقيل : التعبير بذلك للمقابلة ، وقيل : إن الإخراج قد يكون بمعنى المنع وهو لا يقتضي سابقية الدخول ، وعن مجاهد أن الآية نزلت في قوم ارتدوا فلا شك في أنهم حينئذٍ أخرجوا من النور الذي كانوا فيه وهو نور الإيمان { إِلَى الظلمات } وهي ظلمات الكفر والانهماك في الغي وعدم الارعواء والاهتداء بما يترى من الآيات ويتلى ، والجملة تفسير لولاية الطاغوت فالانفصال لكمال الاتصال ، ويجوز أن تكون خبراً ثانياً كما مر .

{ أولئك } إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة وما يتبع ذلك من القبائح ، وجوز أن تكون إشارة إلى الكفار وأوليائهم ، وفيه بعد { أصحاب النار } أي ملابسوها وملازموها لعظم ما هم عليه { هُمْ فِيهَا خالدون } ماكثون أبداً ، وفي هذا وعد وتحذير للكافرين ، ولعل عدم مقابلته بوعد المؤمنين كما قيل : للإشعار بتعظيمهم وأن أمرهم غير محتاج إلى البيان وأن شأنهم أعلى من مقابلة هؤلاء ، أو أن ما أعد لهم لا تفي ببيانه العبارة ، وقيل : إنّ قوله سبحانه : ( ولي المؤمنين ) دل على الوعد وكفى به .

( ومن باب الإشارة والتأويل ) :{ الله وَلِيُّ الذين ءامَنُواْ } وليس وليّ سواه ولا ناصر ولا معين لهم غيره { يُخْرِجُهُم مّنَ } ظلمات النفس وشبه الخيال والوهم إلى نور اليقين والهداية وفضاء عالم الأرواح { والذين كَفَرُواْ } بالميل إلى الاغيار { أَوْلِيَاؤُهُمُ الطاغوت } الذي حال بينهم وبين الله تعالى فلم يلتفتوا إليه { يُخْرِجُونَهُم مّنَ } نور الاستعداد والهداية الفطرية إلى ظلمات صفات النفس والشكوك والشبهات { أولئك } المبعدون عن الحضرة { أصحاب النار } الطبيعية { هُمْ فِيهَا خالدون } [ البقرة : 257 ]