نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (257)

ولما قرر ذلك وأرشد السياق إلى شيء اقتضت البلاغة طيه إرشاداً إلى البعد منه والهرب عنه لبشاعته وسوء مغبته{[12426]} وهو ومن يؤمن بالطاغوت ويكفر{[12427]} بالله فلا يتمسك{[12428]} له والله يهويه إلى الجحيم ، {[12429]}كأنه قيل : فمن يخلص النفس من ظلمات الهوى والشهوة ووساوس الشيطان ؟ فقال مستأنفاً : { الله } أي بما له من العظمة والأسماء الحسنى { ولي الذين آمنوا{[12430]} } أي يتولى مصالحهم ، ولذلك بين ولايته بقوله : { يخرجهم من الظلمات } أي المعنوية{[12431]} جمع ظلمة وهو ما يطمس الباديات حساً أو معنى ، وجمعها لأن طرق الضلال كثيرة فإن الكفر أنواع { إلى النور } أي المعنوي وهو ما يظهر الباديات حساً أو معنىً - قاله الحرالي ، ووحده لأن الصراط المستقيم واحد

{ ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله{[12432]} }[ الأنعام : 153 ] {[12433]}ومن المحامل الحسنة أن يشار بالجمع إلى ما ينشأ {[12434]}من الجهل{[12435]} عن المشاعر{[12436]} التي أخبر بالختم عليها ، فصار البصر عرياً عن الاعتبار ، والسمع خالياً عن الفهم والاستبصار ، والقلب{[12437]} معرضاً عن التدبر والافتكار ، وبالوحدة في النور إلى صلاح القلب فإنه كفيل بجلب كل سار ودفع كل{[12438]} ضار ، والنور الذي هو العقل والفطرة الأولى ذو{[12439]} جهة واحدة{[12440]} وهي القوم ، والظلمة الناشئة عن النفس ذات جهات هي في غاية الاختلاف .

ولما ذكر عبّاده الخلص ذكر عُبّاد{[12441]} الشهوات فقال : { والذين كفروا } أي ستروا{[12442]} ما دلت عليه أدلة العقول أولاً والنقول ثانياً بشهوات النفوس { أولياؤهم الطاغوت } من شهواتهم وما أدت إليه من اتباع كل ما أطغى من الشياطين والعكوف على الأصنام{[12443]} وغير ذلك ، ثم بين استيلاءهم عليهم بقوله : { يخرجونهم } وإسناده إلى ضمير الجمع يؤيد أن جمع الظلمات لكثرة أنواع الكفر { من النور } أي الفطرى{[12444]} { إلى الظلمات{[12445]} } قال الحرالي : وفيه بيان استواء جميع الخلق في حقيقة النور الأول إلىالروح المجندة إلى{[12446]} الفطرة المستوية " كل مولود يولد على الفطرة " انتهى .

ولما ذكر استيلاء الشهوات عليهم الداعي إليها الطيش والخفة الناشىء عن عنصر النار التي هي شعبة من الشيطان بين أن أجزاءهم من جنس مرتكبهم فقال : { أولئك } أي الحالون في محل البعد{[12447]} والبغض { أصحاب النار } {[12448]}قال الحرالي{[12449]} : الذين اتبعوها من حيث لم يشعروا من حيث إن الصاحب من اتبع مصحوبه{[12450]} - انتهى . ولما علم من ذكر الصحبة دوامهم فيها صرح به تأكيداً بقوله مبيناً اختصاصهم بها : { هم } أي خاصة { فيها خالدون * } إلى ما لا آخر له . قال الحرالي : وجعل الخلود وصفاً لهم{[12451]} إشعاراً بأنهم فيها وهم في دنياهم - انتهى .


[12426]:من م ومد وظ، وفي الأصل: مغيته.
[12427]:في الأصل: يومن، والتصحيح من م ومد وظ.
[12428]:كذا في الأصل ومد، وفي م: متمسك، وفي ظ: مستمسك.
[12429]:زيد في الأصول: كان.
[12430]:قال الزمخشري: "آمنوا" أرادوا أن يؤمنوا، تلطف بهم حتى يخرجهم بلطفه وتأييده من الكفر إلى الإيمان، أو الله ولي المؤمنين يخرجهم من الشبه في الدين إن وقعت لهم بما يهديهم ويوفقهم لها من حلها حتى يخرجوا منها إلى نور اليقين ـ انتهى؛ فيكون على هذا القول "آمنوا" على حقيقته ـ البحر المحيط 2/283.
[12431]:زيد ما بين المربعين من م وظ ومد.
[12432]:سورة 6 آية 153.
[12433]:زيد في الأصل "أي المفر" ولم تكن الزيادة في م ومد وظ فحذفناها.
[12434]:في م: عن الجهل، وفي ظ: بالجهل.
[12435]:في م: عن الجهل، وفي ظ: بالجهل.
[12436]:في م: المشاعة ـ كذا.
[12437]:زيد في م: به.
[12438]:سقط من م.
[12439]:في م: دون، وفي ظ: ذوا.
[12440]:سقط من ظ.
[12441]:في الأصل: عبادة، والتصحيح من م وظ ومد.
[12442]:من م ومد وظ، وفي الأصل: اشتروا.
[12443]:وقع في م: الإسلام ـ خطأ.
[12444]:في م: الفطرة.
[12445]:قال مجاهد وعبدة بن أبي لبابة: نزلت في قوم آمنوا بعيسى فلما جاء محمد عليه السلام كفروا به، فذلك إخراجهم من النور إلى الظلمات، وقال الكلبي: يخرجونهم من إيمانهم بموسى عليه السلام واستفتاحهم بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى كفرهم . . . وقال الزمخشري: من نور البينات التي تظهر لهم إلى ظلمات الشك والشبهة، وقال ابن عطية: لفظ الآية مستغن عن التخصيص بل هو مترتب في كل أمة كافرة آمن بعضها كالعرب وذلك أن كل من آمن منهم فالله وليه أخرجه من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان إذ هو معد وأهل للدخول فيه، وهذا كما تقول لمن منعك الدخول في أمر: أخرجتني يا فلان من هذا لأمر، وإن كنت لم تدخل فيه البتة ـ انتهى؛ والمراد بالطاغوت الصنم لقوله "رب أنهن أضللن كثيرا من الناس"، قيل: الشياطين، والطاغوت اسم جنس، وقرأ الحسن: الطواغيتن بالجمع ـ البحر المحيط 2/283.
[12446]:في م: أي.
[12447]:زيد في م: والغضب.
[12448]:سقط من م.
[12449]:سقط من م.
[12450]:في مد: مصحوبة.
[12451]:في م: بهم.