{ فقاتل فِى سَبِيلِ الله لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } يشهد له وأنت تعلم أن قرينة التخصيص بهما غير ظاهرة ، والفاء في هذه الآية واقعة في جواب شرط محذوف ينساق إليه النظم الكريم أي إذا كان الأمر كما حكى من عدم طاعة المنافقين وتقصير الآخرين في مراعاة أحكام الإسلام فقاتل أنت وحدك غير مكترث بما فعلوا . ونقل الطبرسي في اتصال الآية قولين : أحدهما : أنها متصلة بقوله تعالى : { وَمَن يقاتل فِى سَبِيلِ الله فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } [ النساء : 74 ] والمعنى فإن أردت الأجر العظيم فقاتل ، ونقل عن الزجاج ، وثانيهما : أنها متصلة بقوله عز وجل : { وَمَا لَكُمْ لاَ تقاتلون فِى سَبِيلِ الله } [ النساء : 75 ] والمعنى إن لم يقاتلوا في سبيل الله فقاتل أنت وحدك ، وقيل : هي متصلة بقوله تعالى : { فقاتلوا أَوْلِيَاء الشيطان } [ النساء : 76 ] ومعنى { لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } لا تكلف إلا فعلها إذ لا تكليف بالذوات ، وهو استثناء مقرر لما قبله فإن اختصاص تكليفه عليه الصلاة والسلام بفعل نفسه من موجبات مباشرته صلى الله عليه وسلم للقتال وحده ، وفيه دلالة على أن ما فعلوه من التثبيط والتقاعد لا يضره صلى الله عليه وسلم ولا يؤاخذ به ، وذهب بعض المحققين إلى أن الكلام مجاز أو كناية عن ذلك فلا يرد أنه مأمور بتكليف الناس ، فكيف هذا ولا حاجة إلى ما قيل ، بل في ثبوته فقال : إنه عليه الصلاة والسلام كان مأموراً بأن يقاتل وحده أولاً ، ولهذا قال الصديق رضي الله تعالى عنه في أهل الردة : أقاتلهم وحدي ولو خالفتني يميني لقاتلتها بشمالي ، وجعل أبو البقاء هذه الجملة في موضع الحال من فاعل قاتل أي فقاتل غير مكلف إلا نفسك ، وقرىء { لاَ تُكَلَّفُ } بالجزم على أن لا ناهية والفعل مجزوم بها أي لا تكلف أحداً الخروج إلا نفسك ، وقيل : هو مجزوم في جواب الأمر وهو بعيد ، و ( لا نكلف ) بالنون على بناء الفاعل فنفسك مفعول ثان بتقدير مضاف ، وليس في موقع المفعول الأول أي لا نكلفك إلا فعل نفسك لا أنا لا نكلف أحداً إلا نفسك ، وقيل : لا مانع من ذلك على معنى لا نكلف أحداً هذا التكليف إلا نفسك . والمراد من هذا التكليف مقاتلته وحده .
{ وَحَرّضِ المؤمنين } أي حثهم على القتال ورغبهم فيه وعظهم لما أنهم آثمون بالتخلف لفرضه عليهم قبل هذا بسنين ، وأصل التحريض إزالة الحرض وهو ما لا خير فيه ولا يعتد به ، فالتفعيل للسلب والإزالة كقذيته ، وجلدته ولم يذكر المحرض عليه لغاية ظهوره .
{ عَسَى الله أَن يَكُفَّ بَأْسَ } نكاية { الذين كَفَرُواْ } ومنهم قريش وعسى من الله تعالى كما قال الحسن وغيره تحقيق ، وقد فعل سبحانه ما وعد به ، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما واعد صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصغرى في ذي القعدة فلما بلغ الميعاد دعا الناس إلى الخروج فكرهه بعضهم فنزلت فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جماعة من أصحابه رضي الله تعالى عنهم حتى أتى موسم بدر فكفاهم الله سبحانه بأس العدو ولم يوافقهم أبو سفيان ، وألقى الله تعالى الرعب في قلبه ، ولم يكن قتال يومئذٍ وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه سالمين { والله أَشَدُّ بَأْساً } من الذين كفروا { وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } أي تعذيباً ، وأصله التعذيب بالنكل وهو القيد فعمم ، والمقصود من الجملة التهديد والتشجيع ، وإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة ، وتعليل الحكم وتقوية استقلال الجملة ، ( وتذكير ) الخبر لتأكيد التشديد .
( هذا ومن باب الإشارة ) :{ فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ الله لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } أي قاتل من يخالفك وحدك { وَحَرّضِ المؤمنين } على أن يقاتلوا من يحول بينهم وبين ربهم { عَسَى الله أَن يَكُفَّ بَأْسَ الذين كَفَرُواْ } أي ستروا أوصاف الربوبية { والله أَشَدُّ } منهم { بَأْسًا } أي نكاية { وَأَشَدَّ } منهم { تَنكِيلاً } [ النساء : 84 ] أي تعذيباً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.