غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسٗا وَأَشَدُّ تَنكِيلٗا} (84)

82

قوله : { فقاتل } قيل : إنه جواب لقوله :{ ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل }[ النساء :74 ] كأنه تعالى قال : إن أردت الفوز فقاتل . وقيل : إنه متصل بمعنى ما ذكر من قصص المنافقين كذا وكذا فلا تعتد بهم ولا تلتفت إليهم بل قاتل فإنك لا تؤاخذ إلاّ بفعلك ، فإذا أديت فرضك لم تكلف فرض غيرك ، ويعلم من قوله : { وحرض المؤمنين } أن الواجب على الرسول إنما هو الجهاد وتحريض الناس على الجهاد أي الحث والإحماء عليه ، فإذا أتى بالأمرين فقد خرج عن عهدة التكليف وليس عليه من كون غيره تاركاً شيء . واعلم أن الجهاد في حق غير الرسول من فروض الكفايات ، فما لم يغلب على الظن أنه مفيد لم يجب بخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه على ثقة من النصر والظفر بدليل قوله :{ والله يعصمك من الناس }[ المائدة :67 ] وبدليل قوله ههنا : { عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا } وعسى من الله جزم لأن الرجاء عليه محال فهو إطماع وإطماع الكريم إيجاب فلزمه الجهاد وإن كان وحده فلا جرم أنه صلى الله عليه وسلم قال في بدر الصغرى : " لأخرجن وحدي " فخرج وتبعه سبعون راكباً ، ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده ، ثم إنه تعالى كف بأس المشركين وألقى الرعب في قلوب أبي سفيان وأصحابه حتى ندموا وترك الحرب في تلك السنة . وفي الآية دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان أشجع الخلق لأنه تعالى لم يأمره بالقتال وحده إلاّ أنه كذلك . وقيل : اقتدى به أبو بكر حيث حاول الخروج وحده إلى قتال مانعي الزكاة ومن عرف أن الأمر كله بيد الله وأنه لا يحدث شيء إلاّ بقضاء الله سهل عليه الفوت وكان بمعزل عن تقية الموت . { والله أشد بأساً } من قريش { وأشد تنكيلاً } تعذيباً لأن عذاب الله دائم وعذاب غيره غير دائم ، وعذاب غير الله يخلصه الله عنه وعذاب الله لا يقدر أحد على تخليصه منه ، وعذاب غير الله يكون من وجه واحد وعذاب الله يصل إلى جميع الأبعاض والأجزاء ويشمل الروح والجسم فهذا طرف من الفرق والله أعلم بكنه عذابه ونعوذ بالله من عقابه .