فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسٗا وَأَشَدُّ تَنكِيلٗا} (84)

الفاء في قوله : { فَقَاتِلْ } قيل : هي متعلقة بقوله : { وَمَن يقاتل فِى سَبِيلِ الله } [ النساء : 74 ] الخ ، أي : من أجل هذا فقاتل ، وقيل : متعلقة بقوله : { وَمَا لَكُمْ لاَ تقاتلون فِى سَبِيلِ الله } [ النساء : 75 ] فقاتل وقيل : هي جواب شرط محذوف يدل عليه السياق تقديره : إذا كان الأمر ما ذكر من عدم طاعة المنافقين فقاتل ، أو إذا أفردوك وتركوك فقاتل . قال الزجاج : أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهاد ، وإن قاتل وحده ؛ لأنه قد ضمن له النصر . قال ابن عطية : هذا ظاهر اللفظ ، إلا أنه لم يجيء في خبر قط أن القتال فرض عليه دون الأمة . فالمعنى والله أعلم : أنه خطاب له في اللفظ ، وفي المعنى له ولأمته ، أي : أنت يا محمد وكل واحد من أمتك يقال له : { فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ الله لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } أي : لا تكلف إلا نفسك ، ولا تلزم فعل غيرك ، وهو استئناف مقرّر لما قبله ؛ لأن اختصاص تكليفه بفعل نفسه من موجبات مباشرته للقتال وحده . وقرئ : { لاَ تُكَلَّفُ } بالجزم على النهي ، وقرئ بالنون .

قوله : { وَحَرّضِ المؤمنين } أي : حضهم على القتال ، والجهاد ، يقال حرّضت فلاناً على كذا : إذا أمرته به ، وحارض فلان على الأمر وأكبّ عليه وواظب عليه بمعنى واحد . قوله : { عَسَى الله أَن يَكُفَّ بَأْسَ الذين كَفَرُواْ } فيه إطماع للمؤمنين بكفّ بأس الذين كفروا عنهم ، والاطماع من الله عز وجلّ واجب ، فهو وعد منه سبحانه ، ووعده كائن لا محالة { والله أَشَدُّ بَأْساً } أي : أشدّ صولة وأعظم سلطاناً { وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } أي : عقوبة ، يقال : نكلت بالرجل تنكيلاً من النكال وهو : العذاب . والمنكل الشيء الذي ينكل بالإنسان .

/خ87