{ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما التقى هو وأبو سفيان بن حرب يوم أُحد وكان من هربهم ما كان ، ورجع أبو سفيان إلى مكة فواعد رسول الله صلى الله عليه وسلم موسم بدر الصغرى في ذي القعدة فلما بلغ الميعاد قال الناس : اخرجوا إلى العدو .
فكرهوا ذلك كراهه شديدة أو بعضهم ، فأنزل الله تعالى { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } أي لاتدع جهاد العدو وإنصاف المستضعفين من المؤمنين ولو وحدك .
وقيل : معناه لاتلزم فعل غيرك ولاتؤخذ به ولم يرد بالتكليف الأمر لأنه يقتضي على هذا القول ألا يكون غيره مأموراً بالقتال .
والفاء في قوله ( فقاتل ) جواب عن قوله { وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } فقاتل { وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ } على القتال أي حثَّهم على الجهاد ورغّبهم فيه ، فتثاقلوا عنه ولم يخرجوا معه إلى القتال ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين راكباً حتى أتى موسم بدر ، فكفّ بهم الله تعالى بأس العدو ولم يوافقهم أبو سفيان ولم يكن له أن يُوافق ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه .
وذلك قوله { عَسَى اللَّهُ } أي لعل الله { أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواًْ } أي قتال المشركين وصولتهم حين ولّيتم وهي من الله واجب ، حيث كان ، وقد جاء في كلام العرب بمعنى اليقين .
ظنّي أنهم كعسى ، وهم بنتوفة *** يتنازعون جوائز الأمثال
{ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً } أي أشد صولة وأعظم سلطاناً وأقدر على مايريد { وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } أو عقوبة .
فإن قيل : إذا كان من قولكم : إن عسى من الله واجب فقد قال الله { عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } ونحن نراهم في بأس وشدة ، فأين ذلك الوعد ؟ فيقال لهم : قد قيل : إن المراد به الكفرة الذين كفّ بأسهم في بدر الصغرى ، والحديبية بقوله
{ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ } [ الفتح : 24 ] الآية ، فإن كان ظاهرها العموم فالمراد منها الخصوص .
وقيل : أراد به المدة التي أمر الله فيها القتال لزوال الكفر بقوله
{ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ } [ الأنفال : 39 ] فعند ذلك يكف بأس الذين كفروا ، وهو الوقت . حتى ينزل فيه [ المهدي ] فيكون حكماً قسطاً ويظهر الإسلام على الدين كله .
وقيل : إن ذلك في القوم قذف الله في قلوبهم الرعب وأخرجهم من ديارهم وأموالهم بغير قتال من المؤمنين لهم وهذا بأس قد كفّه الله عن المؤمنين .
وقد قيل : إنه أراد به اليهود والنصارى وهم يعطون الجزية وتركوا المحاربة ، وقد كف بأسهم عن المؤمنين إذ صاروا يؤدّون الجزية صاغرين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.