فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسٗا وَأَشَدُّ تَنكِيلٗا} (84)

{ فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ( 84 ) من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا ( 85 ) }

{ فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك } الفاء في قوله فقاتل قيل هي متعلقة بقوله { ومن يقاتل في سبيل الله } إلى آخره أي من أجل هذا فقاتل ، وقيل متعلقة بقوله { وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله فقاتل } وقيل تقديره إذا كان الأمر ما ذكر من عدم طاعة المنافقين فقاتل ، أو إذا أفردوك أو تركوك فقاتل .

قال الزجاج : أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهاد وإن قاتل وحده لأنه قد ضمن له النصر ، قال ابن عطية : هذا ظاهر اللفظ إلا أنه لم يجئ فيه خبر قط أن القتال فرض عليه دون الأمة ، والمعنى والله أعلم أنه خطاب له في اللفظ ، وفي المعنى له ولأمته أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك يقال له فقاتل في سبيل الله لا تكلف غير نفسك ولا تلزم فعل غيرك وهو استئناف مقرر لما قبله ، لأن اختصاص تكليفه بفعل نفسه من موجبات مباشرته للقتال وحده .

وقرئ لا تكلف بالجزم على النهي وقرئ بالنون .

وفي الآية دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أشجع الناس وأعلمهم بأمور القتال ، إذ لو لم يكن كذلك لما أمره بذلك ، ولقد اقتدى به أبو بكر الصديق رضي الله عنه في قتال أهل الردة على الخروج ولو وحده .

{ وحرض المؤمنين } أي وحضهم على القتال والجهاد يقال حرضت فلانا على كذا إذا أمرته به وحارض فلان على الأمر وأكب عليه وواظب عليه بمعنى واحد ، والمعنى ليس عليك في شأنهم إلا التحريض والترغيب في الثواب فحسب لا التعنيف بهم .

{ عسى الله أن يكف } فيه إطماع للمؤمنين بكف { بأس الذين كفروا } عنهم ، والإطماع من الله عز وجل واجب فهو وعد منه سبحانه ووعده كائن لا محالة { والله أشد } أي أعظم { بأسا } أي صولة وسلطانا وشدة وقوة { وأشد تنكيلا } عقوبة وعذابا يقال نكلت بالرجل تنكيلا من النكال وهو العذاب والمنكل الشيء الذي ينكل بالإنسان .