تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسٗا وَأَشَدُّ تَنكِيلٗا} (84)

الآية 84

وقوله تعالى : { فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك } قوله : { لا تكلف إلا نفسك } يحتمل وجهين :

( أحدهما : كقوله تعالى ){[6086]} { ما عليك من حسابهم من شيء } ( الأنعام : 52 ) وكقوله عز وجل : { فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم } ( النور : 54 ) .

والثاني : { لا تكلف إلا نفسك } أي تكلف أنت بالقتال والجهاد ، وإن تخلف{[6087]} هؤلاء عن الخروج معك . يؤيد ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال : ( هذا حين استنصر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم بوعد أبي سفيان ( يوم ){[6088]} بدر الصغرى ، فخذله{[6089]} الناس ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لأخرجن إلى بدر وإن لم يتبعني أحد منكم " فتبعه{[6090]} أقل الصحابة – رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- وقال : { حسبنا الله ونعم الوكيل }( آل عمران : 173 ) .

وفيه دليل وعد النصر له الفتح والنكبة على الأعداء ( لأنهم تخلفوا عن الخروج معه ) {[6091]} فلو لم يكن وعد النصر له لم يؤمر بالخروج . ألا ترى أنه قال عز وجل : { عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا } وعسى من الله تعالى واجب ؟

وفي قوله تعالى : { عسى الله } وعد نصره ، وإن خرج وحده ؛ إذ ال : عسى هو من الله واجب .

وقوله تعالى : { وحرض المؤمنين } على القتال يحتمل وجوها :

( أحدها ){[6092]} : { وحرض المؤمنين } بالثواب لهم وكريم المآب على ذلك .

والثاني : {[6093]} قوله : { وحرض المؤمنين } على القتال لما في القتال معهم إظهار دين الله الإسلام ، وفي ترك المجاهدة والقتال معهم نصر العدو عليهم وإظهار دينهم أمر عز وجل رسوله عليه السلام ليرغبه في مجاهدة أعدائهم .

والثالث : { وحرض المؤمنين } على المجاهدة والقتال معهم وعدا بالنصر لهم والفتح والغنيمة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا } وال : عسى من الله واجب . وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم{ أن يكف } عنهم{ بأس الذين كفروا } .

وقوله تعالى : { والله أشد بأسا وأشد تنكيلا }قيل : { أشد بأسا }لما يدفع بأس المشركين عنكم ، ولا يقدرون هم دفع بأس عن أنفسهم ، فبأس الله أشد . وقوله سبحانه وتعالى : { وأشد تنكيلا } قيل : التنكيل هو العذاب الذي يكون للآخر فيه زجر ومنع . وقيل : حين قال له : { لا تكلف إلا نفسك } ولو لم يتبعك أحد من الناس لكف الله عنك بأس المشركين . وقيل : البأس هو عذاب الدنيا ، والتنكيل والنكال هو عذاب الآخرة ؛ لأنه يخوفهم بأسه لتخلفهم عن العدو ومخافة بأسهم وعذابهم ، فأخبر عز وجل أن بأس الله وعذابه أشد من بأس الأعداء ، والله أعلم .


[6086]:في الأصل وم: أي.
[6087]:في الأصل وم: تختلف.
[6088]:ساقطة من الأصل وم.
[6089]:في الأصل وم: فخذل.
[6090]:في الأصل وم: فاتبعه.
[6091]:في الأصل وم: لأنه تخلف الخروج وعده فلولا لم.
[6092]:ساقطة من الأصل وم.
[6093]:في الأصل وم: ويحتمل المؤمنين.