روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ وَيَوۡمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُۚ قَوۡلُهُ ٱلۡحَقُّۚ وَلَهُ ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (73)

{ وَهُوَ الذى خَلَقَ * السموات والارض } أي هذين الأمرين العظيمين . ولعله أريد بخلقهما خلق ما فيهما أيضاً ، وعدم التصريح بذلك لظهور اشتمالهما على جميع العلويات والسفليات . وقوله سبحانه : { بالحق } متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل { خُلِقَ } أي قائماً بالحق ، ومعنى الآية حينئذ كما قيل كقوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السماء والارض وَمَا بَيْنَهُمَا باطلا } [ ص : 27 ] وجوز أن يكون حالاً من المفعول أي متلبسة بالحق ، وأن يكون صفة لمصدر الفعل المؤكد أي خلقاً متلبساً بالحق .

{ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحق } تذييل لما تقدم ؛ والواو للاستئناف . واليوم بمعنى الحين متعلق بمحذوف وقع خبراً مقدماً و { قَوْلُهُ } مبتدأ و { الحق } صفته ، والمراد بالقول المعنى المصدري أي القضاء الصواب الجاري على وفق الحكمة فلذا صح الإخبار عنه بظرف الزمان أي وقضاؤه سبحانه المعروف بالحقية كائن حين يقول سبحانه لشيء من الأشياء كن فيكون ذلك الشيء وتقديم الخبر للاهتمام بعموم الوقت كما قيل ، ونفى السعد كونه للحصر لعدم مناسبته وجعل التقديم لكونه الاستعمال الشائع . وتعقب بأن المعروف الشائع تقديم الخبر الظرفي إذا كان المبتدأ نكرة غير موصوفة أو نكرة موصوفة أما إذا كان معرفة فلم يقله أحد . وقيل : إن { قَوْلُهُ الحق } مبتدأ وخبر و { يَوْمٍ } ظرف لمضمون الجملة والواو بحسب المعنى داخلة عليها والتقديم للاعتناء به من حيث إنه مدار الحقية ، وترك ذكر المقول له للثقة بغاية ظهوره . والمراد بالقول كلمة { كُنَّ } تحقيقاً أو تمثيلاً . والمعنى وأمره سبحانه المتعلق بكل شيء يريد خلقه من الأشياء حين تعلقه به لا قبله ولا بعده من أفراد الأحيان الحق أي المشهود له بالحقية ، وقيل : إن الواو للعطف و { يَوْمٍ } إما معطوف على { السموات } فهو مفعول لخلق مثله ، والمراد به يوم الحشر أي وهو الذي أوجد السموات والأرض وما فيهما وأوجد يوم الحشر والمعاد ، وإما على الهاء في { *اتقوه } [ الأنعام : 72 ] فهو مفعول به مثله أيضاً ، والكلام على حذف مضاف أي اتقوا الله تعالى واتقوا هول ذلك اليوم وعقابه فزعه . وإما متعلق بمحذوف دل عليه { ءادَمَ بالحق } أي يقوم بالحق يوم الخ ، وهو إعراب متكلف كما قال أبو حيان . وقيل : إنه معطوف على { بالحق } وهو ظرف لخلق أي خلق السموات والأرض بعظمها حين قال كن فكان . والتعبير بصيغة الماضي احضار للأمر البديع . وفيه أنه يتوقف على صحة عطف الظرف على الحال بناء على أن الحال ظرف في المعنى وهو تكلف . و { قَوْلُهُ الحق } مبتدأ وخبر أو فاعل يكون على معنى وحين يقول لقوله الحق أي لقضائه كن فيكون . والمراد به حين يكون الأشياء ويحدثها أو حين يقوم القيامة فيكون التكوين إحياء الأموات للحشر وقيل غير ذلك فتدبر .

{ وَلَهُ الملك يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصور } أي استقر الملك له في ذلك اليوم صورة ومعنى بانقطاع العلائق المجازية الكائنة في الدنيا المصححة للمالكية في الجملة فلا يدعيه غيره بوجه . والصور قرن ينفخ فيه كما ثبت في الأحاديث والله تعالى أعلم بحقيقته . وقد فصلت أحواله في «كتب السنة » . وصاحبه إسرافيل عليه السلام على المشهور . وأخرج البزار والحاكم عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً أن ملكين موكلين بالصور ينتظران متى يؤمران فينفخان . وقرأ قتادة «في الصور » جمع صورة والمراد بها الأبدان التي تقوم بعد نفخ الروح فيها لرب العالمين .

{ عالم الغيب والشهادة } أي كل غيب وشهادة { وَهُوَ الحكيم } في كل ما يفعله { الخبير } بجميع الأمور الخفية والجلية . والجملة تذييل لما تقدم وفيه لف ونشر مرتب هذا .

( ومن باب الإشارة ) :{ وَهُوَ الذى خَلَقَ السموات } أي سموات الأرواح { والأرض } أي أرض الجسم { بالحق } أي قائماً بالعدل الذي هو مقتضى ذاته { وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ } وهو وقت تعلق إرادته سبحانه القديمة بالظهور في التعينات { قَوْلُهُ الحق } لاقتضائه ما اقتضاه على أحسن نظام وليس في الإمكان أبدع مما كان { وَلَهُ الملك يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصور } وهو وقت إفاضة الأرواح على صور المكنونات التي هي ميتة بأنفسها بل لا وجود لها ولا حياة . { عالم الغيب } أي حقائق عالم الأرواح ويقال له الملكوت { والشهادة } أي صور عالم الأشباح ويقال له الملك { وَهُوَ الحكيم } الذي أفاض على القوابل حسب القابليات { الخبير } [ الأنعام : 73 ] بأحوالها ومقدار قابلياتها لا حكيم غيره ولا خبير سواه .