السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ وَيَوۡمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُۚ قَوۡلُهُ ٱلۡحَقُّۚ وَلَهُ ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (73)

{ وهو الذي خلق السماوات والأرض } على عظمهما { بالحق } أي : بسبب إقامة الحق ، وقيل : خلقهما بكلامه الحق الذي هو قوله تعالى : { كن } وهو دليل على أنّ كلام الله تعالى ليس بمخلوق لأنه لا يخلق مخلوق بمخلوق { و } اذكر { يوم يقول } الله للخلق { كن فيكون } أي : فهو يكون وهو يوم القيامة يقول بمخلق قوموا أحياء { قوله } تعالى : { الحق } أي : الصدق الواقع لا محالة { وله الملك يوم ينفخ في الصور } أي : النفخة الثانية من إسرافيل عليه الصلاة والسلام وإنما أخبر سبحانه وتعالى عن ملكه يومئذٍ وإن كان الملك له سبحانه وتعالى في كل وقت في الدنيا والآخرة لأنه لا منازع له يومئذٍ فإنّ من كان يدعي الملك من الجبابرة والفراعنة وسائر الملوك الذين كانوا في الدنيا قد زال ملكهم فاعترفوا أنّ الملك لله الواحد القهار وأنه لا منازع له تعالى فيه وعلموا أنّ الذي كانوا يدعونه من الملك في الدنيا غرور وباطل .

تنبيه : اختلف العلماء في الصور المذكور في الآية فقال قوم : هو قرن ينفخ فيه وهو لغة أهل اليمن ، وقال مجاهد : الصور قرن كهيئة البوق ويدل على صحة هذا القول ما روي أنّ أعرابياً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : ما الصور ؟ قال : ( قرن ينفخ فيه ) .

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( كيف أنتم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر فينفخ ) فكان ذلك ثقل على الصحابة فقالوا : كيف نعمل يا رسول الله أو كيف نقول ؟ قال : ( قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا ) وقال أبو عبيدة : الصور جمع صورة والنفخ فيها إحياؤها والأوّل أصح لما مرّ في الحديث ولإجماع أهل السنة أنّ المراد بالصور هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل نفختين : نفخة الصعق ونفخة البعث للحساب { عالم الغيب والشهادة } أي : ما غاب وما شوهد فلا يغيب عن علمه تعالى شيء { وهو الحكيم } أي : في جميع أفعاله وتدبير خلقه { الخبير } بباطن الأشياء كظاهرها بكل ما يعملونه من خير أو شر .