التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ وَيَوۡمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُۚ قَوۡلُهُ ٱلۡحَقُّۚ وَلَهُ ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (73)

وقوله { وَهُوَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بالحق } معطوف على قوله { وَهُوَ الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } .

قال الآلوسى : " ولعله أريد بخلقهما خلق ما فيهما - أيضاً - وعدم التصريح بذلك لظهور اشتمالها على جميع المعلومات والسفليات .

وقوله " بالحق " متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل " خلق " أى : قائما بالحق ، وجوز أن يكون صفة لمصدر الفعل المؤكد أى : خلقا متلبسا بالحق " .

والحق فى الأصل مصدر حق إذا ثبت ، ثم صار اسما للأمر الثابت الذى لا ينكر ، وهو ضد الباطل .

وقوله { وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحق } أى : وقضاؤه المعروف بالحقيقة كائن ، حين يقول - سبحانه - لشىء من الأشياء " كن فيكون " ذلك الشىء يحدث .

و { وَيَوْمَ } خبر مقدم ، و { قَوْلُهُ } مبتدأ مؤخر ، و { الحق } صفته .

والجملة الكريمة بيان لقدرته - تعالى - على حشر المخلوقات بكون مراده لا يتخلف عن أمره ، وإن قوله هو النافذ وأمره هو الواقع قال - تعالى - { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } وفى قوله { قَوْلُهُ الحق } صيغة قصر للمبالغة أى : هو الحق الكامل ، لأن أقوال غيره وإن كان فيها كثير من الحق فهى معرضة للخطأ وما كان فيها غير معرض للخطأ فهو من وحى الله أو من نعمته بالعقل والإصابة للحق .

وقوله { وَلَهُ الملك يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور } أى : أن الملك لله تعالى وحده فى ذلك اليوم فلا ملك لأحد سواه .

قال أبو السعود : " وتقييد اختصاص الملك له - تعالى - بذلك اليوم مع عموم الاختصاص لجميع الأوقات لغاية ظهور ذلك بانقطاع العلائق المجازية الكائنة فى الدنيا المصححة للمالكية المجازية فى الجملة ، فهو كقوله - تعالى - { لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار } وقوله { الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن } المراد " بالصور " القرن الذى ينفخ فيه الملك نفخة الصعق والموت ، ونفخة البعث والنشور والله أعلم بحقيقته .

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال : إن أعرابياً سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الصور فقال : " قرن ينفخ فيه " رواه أبو داود والترمذى والحاكم عنه أيضاً .

وقيل المراد بالصور هنا جمع صورة والمراد بها الأبدان أى : يوم ينفخ فى صور الموجودات فتعود إلى الحياة .

ثم ختمت الآية بما يدل على سعة علم الله - تعالى - وعظم إتقانه فى صنعه فقال - تعالى - : { عَالِمُ الغيب والشهادة وَهُوَ الحكيم الخبير } .

الغيب : ما غاب عن الناس فلم يدركوه ، الشهادة : ضد الغيب وهى الأمور التى يشاهدها الناس ويتوصلون إلى عملها .

وصفة { الحكيم } تجمع إتقان الصنع فدل على عظم القدرة مع تعلق العلم بالمصنوعات . وصفى { الخبير } تجمع العلم بالمعلومات ظاهرها وخفيها .

أى : فهو - سبحانه - وحده العالم بأحوال جميع الموجودات ما غاب منها وما هو مشاهد ، وهو ذو الحكمة فى جميع أفعاله والعالم بالأمور الجلية والخفية .