تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ وَيَوۡمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُۚ قَوۡلُهُ ٱلۡحَقُّۚ وَلَهُ ٱلۡمُلۡكُ يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِۚ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ} (73)

الآية 73 وقوله تعالى : { وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق } قيل : قوله : { بالحق } أي { خلق السماوات والأرض بالحق } لم يخلقها باطلا كقوله سبحانه : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا } [ ص : 27 ] قيل : لم يخلقهما باطلا ، ولكن خلقهما بالحق .

وهو يحتمل وجوها :

[ أحدها ]{[7262]} : قيل : خلقهما للعاقبة لأن كل أمر لا عاقبة له ، هو باطل ، ليس بحق ؛ فإنما خلق السماوات والأرض وما بينهما للعاقبة ، وذلك لأمر عظيم كقوله تعالى : { ليوم عظيم } { يوم يقوم الناس لرب العالمين } [ المطففين : 5 و 6 ] .

وقيل{[7263]} : قوله تعالى : { بالحق } أي خلقهما ليمتحن فيهما ولمحنة سكانهما ، لم يخلقهما لغير شيء .

وقيل{[7264]} : { بالحق } أي خلقهما بالحكمة ؛ من نظر فيهما ، وتدبر لدلالة{[7265]} على أن لهما خالقا ومدبرا أو لدلالة{[7266]} على أن مدبرهما ومنشئهما واحد ، فإذا كان كذلك فكان خلقهما { بالحق } بالحكمة والعلم .

وقوله تعالى : { ويوم يقول كن فيكون } [ فيه وجوه :

أحدها : ]{[7267]} قد ذكرنا أن قوله : { كن } هو أوجز كلام في لسان العرب ؛ يعبر به ، فيفهم{[7268]} منه ، لا أن كان من الله كاف أو نون ، لكنه ذكره{[7269]} والله أعلم ، ليعلموا أن ليس على الله في الإحياء والإنشاء بعد الموت مؤنة كما لم يكن على الخلق في التكلم ب { كن }مؤنة ، ولا يصعب عليهم ذلك . فعلى ذلك ليس على الله في البعث بعد الموت مؤنة ولا صعوبة .

والثاني : ذكر هذا لسرعة نفاذ البعث كقوله تعالى : { ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } أخبر أن خلقهم{[7270]} وبعثكم ليس إلا كخلق نفس واحدة وبعث نفس واحدة ، وكقوله تعالى : { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } [ النحل : 77 ] يخبر لسعة نفاذ{[7271]} الساعة وبعثهم ؛ وذلك أن الرجل قد يلمح البصر ، وهو لا يشعر به . فعلى ذلك القيامة ، قد تقوم ، وهم لا يشعرون .

والثالث : يذكر هذا ، والله أعلم ، أن البعث بعد الموت [ هو إحياء ]{[7272]} ، والإحياء إعادة ، وإعادة الشيء عندهم أهون من ابتداء إنشاء . وعلى ذلك يخرج قوله تعالى : { وهو أهون عليه } [ الروم : 27 ] أي هو أهون عليه عندهم .

وقوله تعالى : { قوله الحق } يحتمل { قوله الحق } أي البعث بعد الموت حق على ما أخبر ، ويحتمل { قوله الحق } أي ذلك القول منه حق ، يكون كما ذكر .

وقوله تعالى : { وله الملك } ملك ذلك اليوم كقوله تعالى : { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } [ غافر : 16 ] . وكقوله تعالى : { الملك يومئذ لله } [ الحج : 56 ] ذكر هذا ، والله أعلم ، لما [ لا ينازعه ]{[7273]} أحد في ملك ذلك اليوم ، وقد نازعه الجبابرة في الملك في الدنيا ، وإن لم يكن لهم ملك ولا ألوهية{[7274]} .

ويحتمل قوله تعالى : { وله الملك } أي ملك جميع الملوك له في الحقيقة كقوله تعالى : { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء } [ آل عمران : 26 ] .

وقوله تعالى : { يوم ينفخ في الصور } قال بعضهم : النفخ هو الروح ، والروح من الريح ، والروح إنما يدخل [ كقوله تعالى ]{[7275]} : { فنفخنا فيه من روحنا } [ التحريم : 12 ] وقال بعضهم : لا يكون هناك/152-أ/ في الحقيقة نفخ ، ولكن يذكره{[7276]} لسرعة نفاذ الساعة ؛ لأن الرجل قد يتنفس ، وهو لا يشعر به ، فذكر هذا لسرعة نفاذ الساعة ، لأنه ليس شيء أسرع جريانا ونفاذا من الريح . وقال بعضهم : هو على حقيقة النفخ ، وهو ما ذكرنا .

وقوله تعالى : { عالم الغيب } أي يعلم ما يغيب الخلق بعضهم عن بعض { والشهادة } ما يشهد بعضهم بعضا . ويحتمل { عالم الغيب } أي يعلم ما يكون ، إذا كان كيف كان ؟ أو يعلم وقت كونه { والشهادة } ما كان ، وشوهد . يخبر أنه لا يغيب عنه شيء ، ولا يغرب منه { وهو الحكيم } في خلق السماوات والأرض وخلق ما فيها . { وهو الحكيم } في بعثهم . والحكيم هو واضع الشيء موضعه . { الخبير } بكل شيء .


[7262]:- في الأصل وم: البيان.
[7263]:- هذا هو الوجه الثاني.
[7264]:- هذا هو الوجه الثالث.
[7265]:من م في الأصل: له لاه.
[7266]:- من م، في الأصل: له لاه.
[7267]:- ساقطة من الأصل وم .
[7268]:- من م، في الأصل: فيهم.
[7269]:- في الأصل وم: ذكر.
[7270]:- في الأصل وم: قولهم.
[7271]:- من م، في الأصل: فنفاذ
[7272]:- ساقطة من الأصل وم.
[7273]:-من م، في الأصل: يتنازعه.
[7274]:- من م، في الأصل: ألوهيته.
[7275]:- ساقطة من الأصل وم.
[7276]:- في الأصل وم: يذكر.