التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (2)

قوله : { إنا أنزلناه قرآنا عربيا } { قرآنا } ، منصوب على أنه بدل من مضير { أنزلناه } أو منصوب على الحال . وقيل : مفعول به . وعربيا نعت للقرآن . وهو منسوب إلى العرب ، والعرب جمع عربي{[2194]} . والمعنى : أن الله جل وعلا كان من تقديره في الأزل أن ينزل القرآن على البشرية بلغة العرب ، هذا البيان الندي المحبب ، لبساطة تركيبه وجمال أسلوبه وسطوع كلماته ذات الإيقاع البليغ الشجي ، والإيقاع المستعذب الغامر الذي ينفذ إلى صميم الفطرة وعميق الوجدان . لا جرم أن العرب خير أجناس البيان ولا فخر . وذلك بعجيب سكبها ومتانة رصفها وبهاء نظمها المميز ؛ النظم الذي يخاطب الكيان البشري كله فيهزه من الأعماق هزا . وذلك بما حواه هذا الكيان من جنان ووجدان وذهن وعاطفة وحس . كل أولئك لا جرم أن يستفيق وينتهض بالنظم القرآني النافذ الغلاب ؛ فليس في سائر الكلام كله ما يخاطب في الإنسان إلا جزءا أو اثنين من تركيبه المتلاحم المعقد فما يكون تأثيره فيه محدودا يسيرا . لكن القرآن يقرع الجهاز النفسي والروحي والعقلي للإنسان مجتمعا ، وهذه ظاهرة جلية عجيبة تشهد على كون القرآن معجزا لا يعارضه في العالمين أحد ، وهو إنما يتجلى فيه هذه الحقيقة ؛ لكونه من جنس هذه اللغة الكريمة المباركة ، اللغة البالغة في جمالها وحسنها ، وروعة جرسها وإيقاعها ، وحلاوة أنغامها الندية الشجية ، وذلك كله يقتضي أن يحض الرسول صلى الله عليه وسلم على حب العربية والعرب ؛ فقد أخرج الطبراني والحاكم والبيهقي وآخرون عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أحبوا العرب لثلاث : أني عربي ، والقرآن عربي ، وكلام أهل الجنة عربي ) .

قوله : { لعلكم تعقلون } لعل بمعنى التعليل ؛ أي لكي تفهموا ما تضمنه هذا القرآن من المعاني والبلاغة والإعجاز ، ولكي تحيطوا بما حواه من علوم وحقائق وبدائع فتوقنوا بعد ذلك أن هذا الكلام ليس في مقدور احد بل هو مما لا يطيقه بشر{[2195]} .


[2194]:الدر المصون جـ 6 ص 429.
[2195]:روح المعاني جـ 12 ص 75 والحبر المحيط حـ 5 ص 278، 279.