اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (2)

قوله تعالى : { إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } يعنى : الكتاب ، في نصب : " قُرْآناً " ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون بدلاً من ضمير " أنْزلْنَاهُ " أو حالاً موطئة منه ، والضمير في : " أنْزَلْنَاهُ " على هذين القولين يعود على الكتاب ، وقيل : " قُرْآناً " مفعول به ، والضمير في " أنْزَلْنَاهُ " ضمير المصدر ، و " عربياً " نعت للقرآنِ ، وجوَّز أبو البقاء : أن يكون حالاً من الضمير في : " قُرْآناً " إذا تحمَّل ضميراً ، يعنى : إذا حعلناهُ حالاً مؤولاً بمشتقِّ ، أي : أنزَلنَاه مُجْتمعاً في حال كونهِ عَربيًّا

والعربيّ منسُوب إلى العرب ؛ لأنَّه نزل بلغتهم ، وواحد العرب : عربيٌّ ، كما أن واحد الرُّوم : رُومِيٌّ ، أي : أنزلناه بلغتكم ، لكي تعلمُوا مَعانيَهُ ، وتفهَمُوا ما فيه ، و " عَرَبَة " بفتح الرَّاء ناحية دار إسماعيل عليه السلام قال الشاعر : [ الطويل ]

3043 وعَرْبَةُ أرْضٍ مَا يُحِلُّ حَرامَهَا *** مِنَ النَّاسِ إلاَّ اللَّوذَعِيُّ الحُلاحِلُ

سكن راءها ضرورة ؛ فيجوزُ أن يكون العربي منسُوباً إلى هذه البقعة .

فصل

احتج الجُبَّائيُّ بهذه الآية : على كون القرآن مخلوقاً ، لقوله تعالى : { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ } والقديم لا يجوزُ إنزالهُ وتحويله من حالٍ إلى حالٍ ؛ ولأنَّه تعالى وصفهُ بكونه : " عَرَبيًّا " والقديم لا يكون عربيًّا ؛ ولأنَّ قوله تعالى { إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } يدلُّ على أنَّه سبحانه وتعالى قادرٌ على أن ينزله لا عربيًّا ؛ ولأنَّ قوله : { تِلْكَ آيَاتُ الكتاب المبين } يدلُّ على أنَّه مركبٌ من الآيات والكلمات ، والمركَّبُ محدثٌ .

قال ابن الخطيب : " والجواب عن هذه الوجوه أن نقول : المركَّب من الحروف والكلمات محدثٌن وذلك لا نزاع فيه ، إنَّما الذي ندَّعي قدمه شيء آخر ، فسقط هذا الاستدلال " .

قوله : { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } : قال الجبائي : " كلمة " لعَلَّ " نحملها على اللاَّم ، والتقدير : إنَّا أنزلناهُ قُرآناً عربيًّا لتعقلُوا معانيه في أمْر الدِّين ، إذ لايجوز أن يراد ب " لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " : الشَّكح لأنَّه على الله تعالى محالٌ ، فثبت أنَّ المراد : لكي تعرفوا الأدلَّة ، وذلك يدلُّ على أنَّهُ سبحانه وتعالى ت أراد من كلِّ العباد أن يعقلوا توحيده ، وأمر دينه ، من عرف منهم ، ومن لم يعرف " . قال ابن الخطيب : " والجواب : هَبْ أنَّ الأمْر كمَا ذَكْرتُمْ ، إلاَّ أنَّهُ يدلُّ على أنه تعالى أنزل هذه السورة وأراد منهم معرفة كيفيَّة هذه القصَّة ، لكن لِمَ قلتم : إنَّها تدلُّ على أنه تعالى أراد من الكُلِّ الإيمان والعمل الصالح " ؟ .