التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمۡ تُوقِنُونَ} (2)

قوله تعالى : { اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } ذلك بيان من الله عن عظيم شأنه وقدرته ؛ فقد خلق السموات العلى على غاية ما يكون عليه الاتساع والامتداد والضخامة ، وعلى أكمل ما يكون عليه الاتساق والتوازن والانتظام . خلائق كبيرة وكثيرة ، وأجرام هائلة ومبثوثة في أجواز الفضاء يضمها نظام دقيق ومنضبط لا يعرف الخلل أو العشوائية أو الفوضى . تلك عي السموات الشامخات الكبريات قد رفع الله بناءها ، وجعلها منسجمة رفيعة لا تستند إلى ما يمسكن من الأعماد المنظورة ، ولكن الله قدر لها من النظام الكوني الوثيق ما يكفل لها تمام الدوران والحركة والاستمرار والعلو إلى أن يقضي الله بالفناء والنهاية .

قوله : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } { استوى } ، أي علا . ومن صفات الله استواؤه على العرش . والمعنى : أن الله استوى عليه بالاقتدار والتدبير وعظيم السلطان وبالغ الهيمنة .

قوله : { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى } الشمس والقمر آتيان من آيات الله جعلهما الله برهانا على بالغ قدرته وعظيم صنعه ، وذللهما لمنافع عباده ؛ فبهما تعرف الحسابات والمواقيت ، وبهما تستنير الكائنات بالإشراق والضياء ، وبسببهما تزدهر الحياة والأحياء ؛ فنعم الحركة والنشاط والعطاء في هذه الدنيا . وذلك كله { لأجل مسمى } وهو قيام الساعة . وحينئذ تكور الشمس ويذهب ليبهما وضوؤها ، ويخسف القمر ويمحي نوره الساطع ثم يصير الكون والعاملون إلى واقع آخر ، وخلق آخر . ذلك هو الفناء وقيام الساعة .

قوله : { يُدَبِّرُ الأَمْرَ } { الأمر } يعني ملكوت السموات والأرض ؛ فإن الله وحده يصرف ذلك كله كيفما يشاء .

قوله : { يُفَصِّلُ الآيَاتِ } ، هي آيات الكتاب الحكيم ؛ فإن الله بينها لعباده ؛ ليقفوا على ما فيها من البينات والدلائل ، والحجج { لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } أي لتهتدوا بما في آيات الله من البينات والدلائل ، فتوقنوا بيوم القيامة حيث المعاد والحساب ، ثم تزدجروا وتخشوا ربكم فتبادروا إلى التصديق والطاعة{[2309]} .


[2309]:تفسير الطبري جـ 13 ص 63 والكشاف جـ 2 ص 349.