التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{فَمَنۡ خَافَ مِن مُّوصٖ جَنَفًا أَوۡ إِثۡمٗا فَأَصۡلَحَ بَيۡنَهُمۡ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (182)

وقوله : ( فمن خاف من موص جنفا أو إثما ) الجنف في اللغة معناه الميل والظلم{[210]} .

والجنف في الوصية يتناول الميل خطأ أو الميل المتعمد . فقد يميل الموصي بدافع من عاطفة أو شفقة نحو قريب أو حبيب ، وذلك كأن يبيعه محاباة وهو ما كان بثمن بخس أو أن يوصي لابن بنته لينصرف المال بعد ذلك إلى بنته ، أو أن يوصي إلى زوج ابنته ليصل المال بعد ذلك إلى ابنته .

وبذلك فإن الجانف في الوصية هو المائل عن العدل وخط الشرع المستقيم سواء كان الميل على سبيل الخطأ أو العمد . فهو غير جائز في الوصية ما دام يؤدي في النهاية إلى الأذية والإضرار بالورثة .

وقوله : ( فأصلح بينهم فلا إثم عليه ) المصلح المقصود هنا هو الوصي أو من يملك الإصلاح كواعظ ينهى عن الحيف ويأمر بالعدل .

وطريق الإصلاح في الآية تحتمل وجهين . أحدهما : أن المصلح سواء كان وصيا أو غيره لا إثم عليه إذا ما قام بالوعظ ورد الحيف بقصد الإصلاح ما بين الورثة أنفسهم أو ما بين الموصي والورثة . وبعدها فإن الله غفور للموصي إذ عدل عن الجنف وما فيه من إضرار بالورثة .

وثانيهما : أن الوصية إذا علم بالحيف في الوصية فله أن يعدل عما أوصى به الميت ( الموصي ) إلى ما هو مقبول شرعا ليأتي ذلك منسجما مع روح الشرع في العدل في الوصية وعدم الجنف فيها ؛ كيلا يتضرر الورثة أن يتأذوا . ومثل هذا التصرف من الوصي جائز وهو من باب الإصلاح لا التبديل المحظور ، وهو بذلك حق وعدل وهو المقصود من قوله تعالى : ( فأصلح بينهم ) فإن ذلك إصلاح وخير فلا إثم على الوصي إن قام به ؛ لذلك جاء قوله : ( فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ) أما الميل المتعمد في الوصية بما يضر الورثة فإنه حرام . وقد أخرج الدارقطني عن ابن عباس أن الرسول ( ص ) قال : " الإضرار في الوصية من الكبائر " {[211]} .


[210]:- القاموس المحيط جـ 3 ص 129 ومختار الصحاح ص 112.
[211]:- تفسير القرطبي جـ 2 ص 270- 272 وتفسير الطبري جـ 2 ص 73.