التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖۚ وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارٗا لِّتَعۡتَدُواْۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُوٗاۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ يَعِظُكُم بِهِۦۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (231)

قوله تعالى : ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم ) بلوغ الأجل للمطلقات معناه ، أن يقتربن من نهاية العدّة ، فليس المقصود من بلوغ الأجل الوصول إلى نهاية العدّة نفسها ، فإنه إذا انتهت العدّة لم يعد للرجل من حق في إمساك المرأة ، بل إنها تبين بمجرد انتهاء عدّتها .

وعلى هذا فإن الرجال الذين يطلقون زوجاتهم يكونون بالخيار عند الاقتراب من نهاية العدّة فإن شاءوا وأمسكوا النساء المطلقات ، أي راجعوهن وهم تحدوهم في ذلك النية في الإصلاح والعيش والودود ، أو سرّحوهن ، أي طلقوهن دون شقاق ومخاصمة ودون تضييق وأذى .

وقوله : ( ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ) جاء في نزول هذه الآية عن فريق كبير من الصحابة أن الرجل كان يطلق المرأة حتى إذا اقتربت عدتها من الانتهاء راجعها ؛ كيلا يتزوجها غيره ، ثم يعاود طلاقها مرة ثانية فتعتد حتى إذا قاربت على انقضاء عدتها راجعها ، وهكذا ، وهو يبغي من ذلك إطالة مدة العدة للمرأة وجعلها معلقة دائما فلا هي زوجة ولا هي مطلقة ، وذلك إضرار بالمرأة كبير وهو كذلك اعتداء ظالم يقع على المرأة من تصرف الرجل إذا لم يخش الله . ولا بفعل ذلك من الأزواج إلا من ظلم نفسه ، وذلك بتعرض نفسه للعذاب لاعتدائه على حدود الله ومخالفته أوامره . وقوله : ( ضرارا ) مفعول لأجله أو حال منصوب . أي مضارين . وذلك أي يطلق ثم يراجع ثم يطلق ثم يراجع وهكذا . فهذا هو الإمساك ضرارا بقصد إلجائهن إلى الافتداء . وذلك ظلم يستوجب العقاب من الله .

قوله : ( ولا تتخذوا آيات الله هزوا ) آيات الله أحكامه وشرائعه . وهي جدّ كلها وليس فيها هزل . ولا ينبغي لأحد أن يطوق نفسه بحكم من الأحكام ثم يزعم بعدها أنه هازل ، فما أنزل الله دينه وشرعه للهزل أو اللعب ، بل للتطبيق والعمل والالتزام وذلك في جد واهتمام .

قال عبادة بن الصامت في تبيين هذه الآية : كان الرجل على عهد الرسول ( ص ) يقول للرجل : زوّجتك ابنتي ثم يقول : كنت لاعبا ، ويقول : قد أعتقت ويقول : كنت لاعبا ، فأنزل الله ( ولا تتخذوا آيات الله هزوا ) فقال الرسول ( ص ) : " ثلاث من قالهن لاعبا أو غير لاعب فهن جائزات عليه ، الطلاق والعتاق والنكاح " . وفي الحديث المشهور الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة أن النبي ( ص ) قال " ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة " . وقال الصحابي الجليل أبو الدرداء : كان الرجل يطلق في الجاهلية ويقول : إنما طلقت وأنا لاعب ، وكان يعتق وينكح ويقول : كنت لاعبا ، فنزلت هذه الآية ، فقال عليه السلام : " من طلق أو حرر أو أنكح فزعم أنه لا عب فهو جد " وجاء في موطأ الإمام مالك أن رجلا قال لابن عباس : إني طلقت امرأتي مائة مرة فماذا ترى عليّ ؟ فقال ابن عباس : طلقت منط بثلاث ، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا .

قوله : ( واذكروا نعمة الله عليكم ) وهي نعمة عظمة تتجلى في هذا الدين الحنيف الذي يغطي واقع البشرية كلها بكل ما تقتضيه العقيدة الإسلامية والتشريع الإسلامي من رائع التصورات والنظم التي تحقق للإنسان أمنه وسعادته ليكون هانئا مطمئنا في هذه الحياة ، وناجيا مفلحا في الدار الآخرة .

قوله : ( وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به ) ما اسم موصول في محل نصب معطوف على نعمة . أي اذكروا نعمة الله واذكروا ما أنزل عليكم . والكتاب هو القرآن ، والحكمة يراد بها هنا السنة على الراجح .

فالله جلت قدرته يأمر الناس بذكر نعمته التي أنعمها عليهم وهي الإسلام ، ثم أن يذكروا كتابه الحكيم فيقبلوا عليه بالوعي والتفهم والادّكار ، وكذلك السنة النبوية باعتبارها المبيّنة المفسرة للقرآن ، وهي الشارحة الموضحة له . وهو سبحانه وتعالى يعظ عباده أي يأمرهم بطاعته ؛ لكي يلتزموا بما في هذين المصدرين وهما الكتاب والسنة من زاخر المعاني والمبادئ والأحكام ، ثم يدعو الله عباده أن يتقوه ، أي يخافوه ويخشوا عقابه ، ثم ليتخذوا من الطاعات والقربات والابتعاد عن المعاصي ما يدرأ عنهم العذاب الموعود . فهو سبحانه عليم بأحوال الناس مطلع على أسرارهم وأستارهم . وفي هذا يقول سبحانه : ( واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم ) .