التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ هُوَ خَيۡرٗا لَّهُمۖ بَلۡ هُوَ شَرّٞ لَّهُمۡۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِۦ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (180)

قوله : ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو مخيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ) قال جمهور المفسرين : إن هذه الآية نزلت في مانعي الزكاة وفي البخل بالمال والإنفاق .

وقوله : ( ولا يحسبن الذين ) ( الذين ) فاعل . والمفعول به الأول محذوف . فيكون التقدير : ولا يحسبن الذين يبخلون بخلهم هو خيرا لهم . والضمير ( هو ) ، مبتدأ وشر خبره .

والآية تتضمن ذما للبخل ووعيدا للبخلاء . والمعنى : لا يتوهمن هؤلاء البخلاء أن بخلهم فيه خير لهم فيدفع عنهم غائلة الفاقة والعوز ويحقق لهم البحبوحة واليسر ، له عكس ذلك صحيح . فإن البخل شر أيما شر . إنه شر الحرمان في هذه الدنيا ، الحرمان من محبة الناس ودعائهم الرقيق الحاني المستجاب ، وامتعاض نفوسهم من الأشحة المنبوذين ، الأشحة الذين تنفر منهم طبائع الخليقة وتتقزز منهم نفوس البشر سواء فيهم الأقارب والأباعد ، أما في الآخرة فهنالك الخسران الأكبر ؛ لما يلاقيه البخلاء الأشحة من ضروب الويل والتنكيل . وفي ذلك يأتي التعبير القرآني على غاية ما يكون فيه الكلام المؤثر الزاجر ( سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ) أي ( سيطوقون ) ما بخلوا به من نار . أو أن هذه الأموال التي بخلوا بها تصير أطواقا حول أعناقهم . ويمكن أن يكون الطوق من نار أو من حبات تلتوي في أعناقهم . وفي هذا أخرج البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ، يأخذ بلهزيمه – يعني شدقيه- يقول : أنا مالك أنا كنزك . ثم تلا هذه الآية ( ولا يحسبن الذين يبخلون ) {[646]} .

قوله : ( ولله ميراث السماوات والأرض ) الله جلت قدرته هو مالك الأولين والآخرين ، وهو مالك كل شيء ، بل ما في الوجود كله من أملاك وأشياء . وفي ذلك السماوات والأرض ، الله تعالى مالكهما . ولئن ملك الناس من كراع الدنيا ولعاعتها شيئا فإنما ذلك ملك مؤقت إلى حين وعلى سبيل المجاز . لكن مالك ذلك على الحقيقة والديمومة هو الله . حتى إذا أزفت الساعة ووقعت الواقعة ذهب الناس المالكون وبقي المال من ورائهم . وبقي المالك الحقيقي وحده . المالك الإله المتفرد الديان . وذلك مقتضى قوله : ( ولله ميراث السماوات والأرض ) .

وقيل في تأويل الآية : إن الله له ما في السماوات والأرض مما يتوارثه أهلهما من مال وغيره فما لهم يبخلون على الله بملكه ولا ينفقونه في سبيله . وذلك كقوله : ( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ) .

قوله : ( والله بما تعلمون خبير ) الله يعلم هؤلاء الأشحة الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله فيجازيهم على ذلك بما يستحقونه من جزاء{[647]} .


[646]:تفسير ابن كثير جـ 1 ص 432.
[647]:- أسباب النزول للنيسابوري ص 88 وتفسير ابن كثير جـ 1 ص 432 وتفسير الطبري جـ 4 ص 125 – 128 والكشاف جـ 1 ص 483، 484 وتفسير الرازي جـ 9 ص 113- 120.