قوله : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ } ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شاعرا وما يستقيم له ولا يليق به أن يكون كذلك ؛ فأغراض الشعر جلُّها مذموم ، كالغزل والهجاء والافتخار ووصف الخمر والعورات وغير ذلك من وجوه الشعر وأغراضه المستهجنة . ولئن جرى على لسانه صلى الله عليه وسلم من الكلام ما كان موزونا فإنما ذلك من جنس كلامه الذي كان يتكلم به على طبيعته من غير صنعة فيه ولا تكلف ولا قصد لوزن . وذلك كما كان يتفق في خطب الناس ورسائلهم ومحاوراتهم في أحاديث موزونة ولا يسميها الناس شعرا . وبذلك فإن فِرية المشركين بأن محمدا صلى الله عليه وسلم شاعر لهي محض باطل وظلم . وهم بذلك إنما يقولون زورا ؛ لأنهم أعرف الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأنه لم يَقْرِض الشعر ، ولو تكلف قَََََرْضَه لما استطاع ؛ لأنه غير مطبوع على قرض الشعر ولا الشعر من سجيته أو طبعه . والافتراء عليه بأنه شاعر لا يقل زورا ونكرا عن الافتراء عليه بأنه كاهن وساحر .
أما القرآن العظيم نفسه فهو من حيث النَّظْمُ والمعنى فذو شأن عجيب ومميز ؛ فإنه من حيث النَّظْمْ ليس بالشعر ؛ لأنه في مزايا نظمه وأسلوبه مختلف تماما عن الشعر ذي الكلام الموزون المقفى ، وليس القرآن كذلك بل إن القرآن لذو أسلوب خاص ليس له في أصناف الكلام نظير . وما عرفت العربية له مثيلا من قبل ولا من بعد . وفي ذلك يذهب فريق من أقطاب البيان والبلاغة ومصاقع الخطابة والفصاحة من أفذاذ العربية إلى أن القرآن ليس على ضرب من ضروب النظم في لغة العرب . فليس هو بالشعر ولا بالنثر ولا بالسجع ولا بالخطابة ولا بالرسالة . وما يستقيم له شيء من ذلك ، إنْ هو إلا القرآن وكفى .
أما القرآن من حيث المعنى فإن فيه من روائع الأغراض والمقاصد ، ومن عجائب المعاني والأحكام والعبر ما يستثير الخواطر والأذهان ، ويشدَهُ الوجدان والجنان لبالغ حججه ودلالاته ، وبما حواه من عظيم المشاهد والأخبار والأسرار والحكم ، فأين ذلك كله من الشعر في أغراضه المعلومة من الهجاء والرثاء والإطراء والفخر ووصف النساء والخمر ؟ ! وذلك كله تأويل قوله : { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ } أي لا يستقيم له ولا يليق به ولا يتأتى له إن أراد قرضه . وقد عرفتموه وأخبرتم طبعه ؛ إذ لبث فيكم أربعين سنة فما كان ليقرض الشعر ولا الشعر بمتسهِّل له .
قوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ } أي ليس القرآن إلا عظة بالغة وإرشادا ونورا تهتدون به إلى سواء السبيل { وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ } أي ليس هو بالشعر ولا غيره من ضروب البيان بل إنه قرآن ظاهر ومعلوم بأسلوبه الخاص ونظمه الفريد ، وطريقته المميزة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.